وأقر به ولقد كانت زوجته عائشة رضي الله عنها تقول كانت ليلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مضى الثلث الاول منها والفلك يدور بالنجوم والسماء تزهو بالكواكب والمردة تحرق بالشهب الثواقب وسرادق الله قد مد جناحه وأحال الظلام بادلهامه فبينما أنا في وادي الوتين ساكنة وبجانبي افضل مرسل وأكرم من ابتهل وتوسل وإذا به قد قبضني وبكلامه الشريف ايقظني وهو يقول ايتها العين المتكحلة بعين السبات الغافلة عن موارد الهبات هبي من منامك واعملي ليوم حمامك فقدم قام أولو الالباب ومرغوا خدودهم على الاعتاب وفي التراب قالت فقمت معه للخدمة ووقفنا نشفع للأمة إلى أن برق بارق الصباح وانفلق فلق الأصباح فقال هلمي للصلاة والاستغفار وطلب العفو من العزيز الفغار قالت فوافقته على ما أراد وبلغنا القصد والمراد فلما سكت من تسبيحه وفاح طيب ريحه رايته وهو يتنفس ويقرع بسبابته جوهر سنه فقلت يا سيد الوجود وطيب الآباء والجدود أن العرب لا تقرع سنها إلا لأمر مهم أو لشأن ملم قال تذكرت حال العصاة من أمتي والمخلصين في محبتي وذكرت قوله تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[هود: ١١٩] فقلت يا رسول الله أما أنزل عليك قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح: ٢] فوالله ليغفرن لك ولآمتك لقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضحى:٥] أنت الذي خلقت السموات والأرضين والعرش والكرسي من أنوارك وأنت الذي ربط براق القرب ببابك أنت الذي اخترقت معالم الملكوت وحملت إلى حضرة القرب والجبروت وأنت الذي أوتيت ليلة القدر وأنت صاحب البطحاء والحرم ولانت لك الاحجار وسلمت عليك الاشجار وانشق لك القمر ليلة الابدار وأنزل عليك: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} أنت صاحب عرفات ومنى والمخصوص بالشكر والثنا وسوف يبلغك الله من أمتك المنى أما وعدك الله المقام المحمود واللواء المعقود والحوض المورود والكرم والجود وسرادق السعود على أمتك ممدود وسحاب التوفيق عليهم يجود ولواء اصحابك بجواهر قبولك منضود وعليه مرقوم عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فكيف تخاف على أمتك نزول البأس وقد فضلوا على سائر الناس بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠] يا سيدي أنت تعلم أن أباك آدم تشفع بك فتاب الله عليه ونوح سأل بك فنجاه الله من الغرق وابراهيم مع علو قدره بك انجاه الله من النار والحرق وموسى مع تقربه ومكانته بك سأل ربه أن يشرح صدره وييسر أمره.
قال الراوي: وما ذكر سهل للجارية هذه المناقب إلا لأن ترجع إلى دين الإسلام قال فلما سمعت كلامه قالت فما جزاء من يدخل في دينه ويقول بقوله فقال يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتمحى عنه سيئاته ويكون جزاؤه الرضوان في الجنان ثم قرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} .