[النساء:١١٠] فلما سمعت الجارية ما تكلم به سهل وقع بقلبها وصغت إليه بلبها وقالت أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدا عبده ورسوله ففرح سهل بإسلامها فقالت له: أكتم أمرك إلى الليل حتى أخلصك وأسير معك إلى عسكر الإسلام.
قال الراوي: حدثنا صاعد بن عدي النميري عن أبيه انه سمعه وهو يحدث الناس بالمدينة وقد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأموال رأس العين وخزائن الملك شهرياض قال: وإن الجارية مضت واستدعت بجواريها وأخذت من مال أبيها ألف دينار فلما جن الليل فتحت باب السر بعدما تجسست فرأت كل من في قصر أبيها نياما فأتت إلى سهل وحلته من وثاقه وقالت له: قم على اسم الله وبركة نبيه فقام سهل بن أساف إلى الباب وأعطته لأمة حرب ولبست هي مثلها وخرجا من الباب وإذا هما بجوادين فركبا وخرجا وسارا مقدار فرسخين عن كفرتوتا وإذا هم بحس الخيل وراءهم فقالت أن كانوا من الروم فعلى مخاطبتهم وإن كانوا من العرب المتنصرة فعليك مخاطبتهم قال فوقفوا غير كثير وإذا بالقوم عدتهم ثلاثة وعشرون فارسا وعليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب قال فتأملهم سهل وذا هم أصحابه الذين قتلوا بحضرة الملك قال فدنا منهم سهل وسلم عليهم وقال سبحان الله ألم أشاهد قتلكم قالوا: نعم أما علمت أن الشهداء أحياء لا يموتون وإنما هي نقلة من دار إلى دار وإن الله قد بعث بأرواح الشهداء في هذه الليلة لتزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تلك الليلة ليلة النصف من شعبان فقال لهم: إني أريد المسير معكم وفي صحبتكم قالوا: إنك لا تقدر على ذلك وقد بقي من عمرك احدى وأربعون ليلة وتلحق بنا وأما هذه الجارية فقد أعد الله لها في الجنة ما أعد لأوليائه وقد بنى لها قصرا من الجوهر والياقوت الأحمر على شاطىء نهر الكوثر ستوره معلقة وبالانوار مرونقة وقبابه مزوقة وأسرته موصولة وفرشه مرفوعة واباريقه مصفوفة وزواياه محفوفة وحلله منسوجة وحواشيه بحسن الوفاء مسروجه على أبوابه مكتوب بقلم السر المكنون: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: ٣٢] فلما سمعت الجارية قولهم قالت فبم استوجبت هذا النعيم قالوا: بتوحيدك الرب العظيم وتصديقك النبي الكريم قال فصاحت صيحة فإذا هي ميتة قال سهل فنزلت فدفنتها وغاب الشهداء عني وسرت إلى المسلمين فحدثت عبد الله بن غسان وسهل بن عدى بذلك فازداد المسلمون يقينا بذلك وعاش سهل بعدها أحدا وأربعين يوما ومات.
حدثنا صفوان ابن عامر عن خويلد بن ماجد عن عبد الرحمن بن النعمان عمن حدثه عن فتوح الشام وأرض ربيعة الفرس قال لما نزل عسكر المسلمين على قرقيسيا.