المولود على القاعدة خوفا عليه من الوحش أن يقربه فيأكله ثم رجعت هي والخادم إلى القلعة.
قال الراوي: وكان من قضاء الله وقدره أن صاحب الموصل الملك الانطاق قد بعث رسولا لشهرياض ثم أرسوس بن جارس صاحب ماردين فجاز سحرا في الطريق الذي فيه العمود فسمع بكاء الطفل فدنا منه وهو على جواده فنظر عصابة الذهب فأخذه وسلمه إلى جارية كانت معه في السفر وقال لها احتفظي على هذا المولود فلا شك أن له شأنا ثم أوصل الرسالة إلى صاحب ماردين وارتحل إلى راس العين وأعاد الجواب على الملك شهرياض وأجرى الله على لسانه بأن حدث الملك شهرياض بقصة الطفل الذي وجده على العمود فقال أعطني إياه فإنه ليس لي ولد يرثني ويخلفني في ملكي فدفعه إليه فأخذه الملك ودفعه للحواضن والدايات فربوه إلى أن ركب الخيل ونشأ وترعرع فسماه الملك عمودا وسماه الناس ولد الملك وتربى في النعمة وتعلم طريقة الملوك من ركوب الخيل والرماية والقتال والمعالجة والصراع إلى أن سما ذكره وانتشر في الناس فخره وكان لا يأوي إلى عين وردة بل أكثر زمانه في الصيد والقنص وبنى له قصرا على رأس المغارة يأوي إليه وسمي القصر باسمه عمودا وليس عند أمه مارية خبر بما فعل الزمان به وانقضت الأيام واندرجت الأعوام حتى قدم عسكر المسلمين يريد فتح أرض الجزيرة فلما شاور الملك أرباب دولته في أمر العرب اشار عليه توتا أن يزوج ولده عمودا من الملكة فإنها لا تصلح إلا له وهي بكر ولها من العمر ثلاثون سنة وقد خطبها الملوك وأبناؤهم فلم ترض بهم لأنها تراهم دونها وأنت إذا طلبتها لولدك لم يمتنع من ذلك ابوها ويفرح بمصاهرتك فأجابه إلى ذلك وبعث إلى أرسوس بن جارس هدية عظيمة وقال لتوتا كن أنت الواسطة في ذلك فسار توتا إلى ارسوس وسلم عليه ودفع إليه الهدية فقبلها وتحدث معه فيما ذكرناه فاجابه إلى ذلك وطلب منه الصداق مائة ألف دينار والبارعية وجملين وعشرين أميرا من العرب ليقتلهم قربانا للمسيح ليلة زفافها فاجابه توتا إلى ذلك فركب ارسوس إلى قلعة ابنته ودخل عليها وأعلمها بالخبر فرضيت فخرج من عندها وجمع القسوس والشمامسة وزوج ابنته لعمودا وليس عندهم خبر من أحكام القدر.
قال الراوي: ورجع توتا إلى الملك شهرياض وأعلمه أن الأمر قد انبرم وأعلمه بما اشترط عليه أرسوس من القلعتين البارعية وجملين ومائة ألف ديناروعشرين أميرا من العرب ليقربهم ليلة زفافها ففرح بذلك وأنفذ الأموال وقال إذا زفت إليه سلمت إلى ابيها القلعتين ثم إنه طلب عمودا وأخبره أنه قد زوجه ابنة ارسوس بن جارس وقال له: اعلم يا بني أن من جملة الصداق عشرين من فرسان العرب فتجهز وخذ العسكر واقصد العرب.