ينظرون إذ صاح خالد بعدو الله رودس وانحط عليه انحطاط السحاب وهو يقول هذه الأبيات.
وانا لقوم لا تكل سيوفنا. ... من الضرب في أعناق سوق الكتائب.
سيوف دخرناها لقتل عدونا. ... واعزاز دين الله من كل خائب.
قتلنا بها كل البطارق عنوة. ... جلاء لأهل الكفر من كل جانب.
إلى أن ملكنا الشام قهرا وغلظة. ... وصلنا على أعدائنا بالقواضب.
أنا خالد المقدام ليث عشيرتي. ... إذا همهمت أسد الوغى في المغالب.
وفاجأ رودس بطعنة فالقاه على وجه الأرض فأوثقه غلامه همام وحمل في أصحابه هو ومن معه قال فهم في ذلك إذ خرج عليهم نجيبه بن سعد وعدي بن سالم وأشرف من بعدهم عبد الله ابن غسان فامتلأت الأرض بالزعقات وارتجت سائر الجهات وصدموهم على الخيل العربيات ونادوا باسم جبار الأرض والسموات وأطبقوا عليهم من كل جانب وكان التوفيق للصحابة مصاحبا فما لحقت الروم أن تركب على خيلها إلا والسيف يعمل فيهم فطحطحوهم وفرقوا مواكبهم واستوثقوا منهم أسرى وأخذوا عمودا وتوتا فكانت الأسارى أربعة آلاف والقتلى الفا وسبعمائة وستة وستين وولى الباقي الأدبار فوصلوا إلى الملك شهرياض فأعلموه بما وقع فضاقت عليه الأرض بما رحبت وعلم أن دولته قد انقرضت وإن ايامه قد اضمحلت ومضت فأحضر من بقي من أرباب دولته فاستشارهم فيما يفعل فقالوا: أيها الملك أن مقامنا على رأس العين سفه فإن بينه وبين حران والرها وسروج بعيد يطمع العرب في بلادنا بل الرأي أن نرحل ونتوسط البلاد وتكون قلاعنا اقرب منا والميرة تصل الينا من كل جانب فإن كانت لنا وانهزمت العرب أخذنا عليهم سائر الطرقات وإن كانت علينا انهزمنا إلى ماردين وقلعة مازن وكفر توتا وقصدنا جملين وتل توتا والبارعية وتل سماوي وتل القرع والصور ودجلة الجبل ونأمن على أنفسنا قال فأجابهم إلى ذلك وارتحل من برج الطير وقصد رأس العين ورتب آلة الحصار وترك في المدينة عشرة آلاف فارس مع مرتودس وكان من الفرسان المشهورة وهو متزوج بابنة الملك شهرياض فلما رتب أمره رحل إلى مرج رغبان.
حدثنا أبو يعلى عن طاهر المطوعي عن أبي طالب بن مليحة عن وهبان بن بشر بن هزارد قال قرأت الفتوح من أوله إلى آخره بجامع الرصافة على أحمد بن عامر الحوفي وأحمد قرأ على سعدان بن صاحب وابن صاحب قرأ على يحيى بن سعيد المروزي ويحيى قرأ على أبي عبد الله ابن محمد الواقدي وهو يومئذ قاضي الجانب الغربي قال لما نزل الملك شهرياض على مرج رغبان بجيوشه ارتحل عياض في اثره بعدما كتب.