فلما نظرت مارية أمه إليه وقد أسلم وافقته في الحال وعرجت عن طريق المحال وشهدت لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فقال عياض بن غنم ومن حضر من المسلمين تقبل الله منكما إسلامكما ووفقكما واعلما أن الله قد طهر قلوبكما وغفر ذنوبكما فاستأنفا العمل ولكن كيف السبيل إلى هذه القلعة المنيعة.
فقالت ابشر فإن أصحابكم اسروا عند حران وقد وجههم شهرياض الي لأفدي بهم منكم هذا الغلام عمودا وقد سيرتهم إلى قلعتي وها أنا أسير إليهم واحصلهم في قلعة أبي وأفك اسرهم وأملك بهم القلعة أن شاء الله تعالى فقال لها عياض لقد وفقك الله في كل حال وصرف وجهك عن المحال ولقد صعب علي اسر أصحابي ولكن قد طاب قلبي بما قلت من الصواب فدعي ولدك عندنا وارجعي إلى أبيك فإذا رأيتيه فقولي له قد تمت حيلتك علينا فإذا حصلت عند اصحابنا فافعلي ما فيه الصلاح فقالت السمع والطاعة ثم ودعت زوجها أي ولدها والمسلمين وسارت من ليلتها إلى ماردين فوجدت اباها قد نزل إلى خدمة الملك إلى مرج رغبان ووجدت الحاجب الذي كانت معه الأسرى قد أوصلهم إلى قلعة أبيها وتركهم تحت قبضته وكان هذا الحاجب من عقلاء الناس ممن قرأ التوراة والانجيل والزبور وكان راهبا في مبدأ أمره وكانت له صومعة على عمود رخام قائم طويل وصنع على رأس العمود قائمة عظيمة وعقد عليها قبة وكان يصعد اليها بسلم ابريسم معلق بأعلى القبة وله سكتان في الأرض فإذا حصل في القبة انتزع السكتين وأخذ السلم إليه فشاع خبره ونما ذكره بالعبادة والرهبانية فلما توجه إلى بلادهم وفتحت الخابور صلحا اجتمع حول ذلك العمود أمم وقالوا: يا ابانا ما الذي تشير به علينا فإن العرب قد توجهت الينا وقد فتحوا الشام واكثر العراق وحصلوا في أرضنا فما الذي نصنع قال فاطلع عليهم من القبة وقال.
يا معاشر النصرانية ما زالت النعم عليكم ظاهرة وباطنة مطمئنين في البلاد وقد ذلت لكم رقاب العباد نصركم المسيح على سائر الامم ورد عنكم سائر الغمم ومهد لكم الأرض في الطول والعرض إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتردون المظالم إلى أهلها وتحكمون بالحق وتتبعون شريعتكم وتزجرون أنفسكم عن أكل الحرام واتباع الزنا فلما غيرتم غير بكم وفي انجيل يحيى وانجيل مرقص مكتوب من اتبع سنن الحق وعود لسانه طريق الصدق وفعل بأوامر ربه وألزم نفسه بما يعنيه ولم يبخس الناس اشياءهم وداوم على صلاته وعمل بأوامر شريعته ولم يتبع هواه بلغه زهده ما تمناه ومن جار وبغى وظلم وتجبر وحاد عن طريق الحق كان فناؤه عاجلا ولنفسه بيده قاتلا وخربت داره ونفد ادخاره وكان الخوف شعاره والجحيم دثاره وفي التوراة.