مكتوب لا تظملوا انه لا يحب الظالمين وقد بلغني أن في القرآن مكتوبا:{إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٨١] فأصلحوا ذات بينكم واجعلوا تقوى الله نصب عيونكم وقاتلوا عن أهلكم وحريمكم واتبعوا شريعة نبيكم وأخرجوا إلى جهاد عدوكم فإن الجهاد اليوم أفضل من جميع العبادات المأمور بها فإنه من جاهد أعداه كانت الجنة مأواه إلا وإني نازل إلى صومعتي هذه فلا يتخلف أحد منكم ثم إنه ارسل سلمه ونزل فلما رأوه وقد نزل اقبلوا عليه بالسلام وقبلوا يديه ورجليه فاتى بهم إلى كنيسة دمائر وكنيسة باذا فصلى بهم ودعا ثم أمرهم بالجهاد وقصد دير ملوخ هو قبله من دار عبديدان الروم وكان فيه راهب فناداه باسمه وقال له: ليس هذا وقت العبادة فأنزله من صومعته وسار إلى نصيبين فخرج إلى لقائه الملك قرقياقس فترجل إليه وصافحه وسار بين يديه إلى البيعة وزار دير يعقوب وهرع إليه أهل نصيبين فوعظهم وأمرهم بالجهاد وقصدر راس العين وبلغ خبره لأرسوس بن جارس فلما أسر عبد الله بن غسان ومن معه بعثهم مع الراهب ميتا بن عبد المسيح ولقيته مارية في الطريق كما ذكرنا وأمرته بأن يسير بهم إلى قلعتها فلما ابعد عنها لقي أباها في عسكره فسأله عما هو فيه فأخبره أن الملك شهرياض ارسله بهؤلاء الأسرى.
فقال له: من أنت قال ميتا بن عبد المسيح فلما سمع ارسوس قوله فرح به وقال: وحق ديني لي زمان ارقبك ولست أستغني عن رايك ولكن انطلق بهؤلاء إلى قلعتي وتول أنت حفظهم حتى يأتيك أمري وخذ خاتمي هذا فانطلق وأوصلهم إلى القلعة ووضعهم في الاعتقال: وتولى حفظهم بنفسه وجعل ينظر إلى حسن عبادتهم وجودة تلاوتهم فأقبل عليهم وقال لهم: أخبروني كم فرض عليكم في اليوم والليلة فقال عبد الله بن غسان خمس صلوات فمن أتى بها بركوعها وسجودها على الكمال لا يرد على النار قال الله تعالى في كتابه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:٢٣٨] وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: "الصلاة صلة ما بين العبد وربه فيها اجابة الدعاء وقبول الاعمال وبركة الرزق وراحة الابدان وستر بينه وبين النار وثقل في الميزان وجواز على الصراط ومفتاح الجنة" وهذه الصلاة فرضت على جميع الامم فلم يؤدوها وقصروا فيها حتى فرضها الله علينا فأديناها والصلاة جامعة لجميع الطاعات فمن جملتها الجهاد وإن المصلي مجاهد عدوين نفسه والشيطان وفي الصلاة الصوم فإن المصلي لا يأكل ولا يشرب وزادت على الصيام التمسك بمناجاة ربه وفي الصلاة الحج وهو القصد إلى بيت الله الحرام والمصلي قصد رب البيت وزاد على الحج بقربه من ملكوت ربه قال الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق: ١٩] وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: "جميع المفترضات افترضها الله في الأرض إلا الصلاة فإن الله افترضها في السماء وأنا بين يديه" وقال: يا محمد هذه الصلاة افترضتها على جميع الانبياء وأما أمتك فقد سلمتها إليهم وجعلت جميع الطاعات كلها فيها.