للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرادوا الرجوع فقال لهم صاحبها: أن عدنا إلى الملك فلا نأمن أن يرمي رقابنا ويقول كيف غفلتم حتى أخذت ابنتي من بينكم وما عندكم خبر وما أخذ الملكة إلا يرغون ابن عمها لأن في قلبه شيئا ثم إنهم ركبوا وجدوا في طلبه قال: وإن يرغون لما نزل في مرج السور واستراح وهم بالمسير إذا بالقوم قد أشرفوا عليه وهم يزعقون يا ويلك اترك الملكة من يدك قبل حلول منيتك فاستقبلهم هو ومن معه من بني عمه واقاربه فعندها قال لبني عمه اعلموا أن العرب ما نصروا على أعدائهم إلا بالصدق في دينهم وقتالهم عن دين الله واعلموا أن هؤلاء القوم الذين طلبناهم لا يبخلون لا سيما إذا علموا اننا قصدناهم وأردناهم من غير قهر لكن من طريق العقل أن دينهم أفضل من ديننا لأنهم يشيرون إلى الله بالوحدانية ونحن نسجد للصلبان والصور ونقول أن للخالق زوجة وولدا وهو واحد أحد فرد صمد وقد بلغني أنهم يقولون أنه من قتل منهم صار إلى الجنة ومن قتل منا صار إلى النار لأننا عندهم من الكفار فإن كنتم تريدون النصر على أعدائكم فأقروا الله بالوحدانية وقولو لا إله إلا الله محمد رسول الله قال فأعلنوا بكلمة التوحيد فدوت من أصواتهم بالجبال والتلال والرمال والشجر والحجر فلما سمع أعداء الله ما نطقوا به علموا أنهم دخلوا في دين الإسلام فتقدم سوسي وقد داروا بيرغون وأصحابه وقالوا له: يا ويلك يارغون أما كفاك أن تكون غادرا حتى تكون بدين النصرانية كافرا أتظن إنك برجوعك إلى دينهم ينصرونك علينا وأين العرب وما يصل صائحك إليهم إلا ونحن فرغنا منك وقتلناكم أشر قتلة عن آخركم فقولوا لمحمد ينصركم ثم إنهم حملوا على يرغون ومن معه فاستقبلوهم بنية صادقة وهمم متوافقة وأعلنوا بكلمة الحق والصلاة على سيد الخلق وبذلوا صوارمهم في العدا واوردوهم شراب الردى وقصدوا نحو أعدائهم وطلبوا بجهادهم منازل الجنة وطلقوا الدنيا ثلاثا وكانوا يمشون في ظلمات ثلاث فانقدحت نار شوقهم بزناد صدقهم فأحرق زرع الكفر: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: ٤٥] فلما أضاءت لهم الأفكار ولاحت لهم لوائح الأنوار لم يجدوا من يشار إليه بالوحدانية ويوصف بالالهية وينعت بالأزلية إلا الواحد القهار فركضوا في ميدان الاعتذار ونادوا بلسان الأقرار آمنا بالله الواحد القهار فلما سرحوا خواطر الافتكار في أسرار الاعتبار قالوا: كيف عبدنا سواه وما ثم لنا معبود إلا إياه فواخجلتنا إذا وقفنا بين يديه يوم العرض عليه فبأي عمل نلقاه وبأي بضاعة نقصد رضاه فأشار إليهم منادي الإيمان من القرآن: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٢] فلما رحلوا في عسكر الطاعة وخافوا من هول يوم الساعة وجعلوا رواحل رجائهم في ركب اقبالهم وساروا في موكب عزهم وجلالهم أشرقت شموس إسلامهم في فلك استسلامهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>