قال الواقدي: وأعجب ما في هذه القصة أن الملك شهرياض قد بعث إليهم يعرفهم أني مرسل اليكم جيشا مع الحاجب فإذا وصلوا اليكم فافتحوا لهم الباب فإن العرب في آثارهم قال فلما وصل إليهم يرغون ومن معه وقالوا لهم: نحن من عسكر الملك فتحوا لهم ودخلوا ولم يتكلم حتى أنه نزل في دار الامارة فلما استقر به الجلوس وثق من الأبواب وصعد إلى السور وقال لاهل البلد: استريحوا لأن الملك قد وصاني بالحرس على البلد فقالوا: أيها السيد أن كتاب الملك قد جاءنا بغير ما قلته بأن لا يتولى حفظ البلد إلا الحاجب قال فلما سمع يرغون قولهم علم أن الملك يريد أن يرسل لهم جيشا فقال لهم: انصرفوا إلى منازلكم وإياكم أن يظهر منكم أحد في الليل فإني أن وقعت بأحد منكم قتلته قال فانصرفوا ولم يبق عنده سوى الوالي الذي كان من قبل توتا هو وغلمانه فقبض عليهم يرغون وضرب رقابهم وتركهم في بعض الابراج المهجورة وقال لأصحابه: كونوا على حذر فإن شهرياض يريد أن يرسل جيشا إلى هذه المدينة فإذا رأيتموهم قد وصلوا فانزلوا وافتحوا لهم درقة الباب الواحدة وكلما دخل فارس فأبعدوا به عن الباب وأنزلوه عن فرسه وخذوا عدته وكتفوه وألقوه في البرج قال فبينما هو يوصيهم إذ وصل الجيش وهم ألف فارس والمقدم عليهم صاحب الملك الكبير فصالحوا عليهم افتحوا لجيش الملك فتبادرت أصحاب يرغون ففتحوا درقة الباب الواحدة وقالوا: لا نمكن أحدا يدخل إلا واحدا واحدا مخافة من يوقنا وأصحابه فانا نخاف أن يدخلوا في جملتكم فبقي كلما دخل فارس رجلوه بعد أن يبعدوا به عن الباب ويأخذوا سلاحه وجواده ويكتفوه إلى أن أدخلوا الألف والحاجب بعدهم فلما اجتمعوا نادوا بأعلى أصواتهم الله أكبر الله أكبر فتح الله ونصر وجاءنا بالظفر قال فارتج كفرتوتا ووقع الرعب في قلوب أهلها وعلموا أنهم ملكوا بلدهم فلم يجسر أحد منهم أن يظهر في المدينة ومن ظهر قتل فلما أصبح طلب يرغون أكابر البلد ومشايخها وبطارقتها فلما حضروا قبض عليهم وأنفذ إلى عياض بن غنم يعلمه بما صنع فلما وصلت إليه الرسالة سجد لله شكرا وكان عبد الرحمن بن أبي بكر وأصحابه لما وصلوا بالميرة أخبروا المسلمين والأمير بما وقع وإن يرغون مضى إلى كفرتوتا فكان منتظرا لما يأتي إليه من خبره فلما جاء الخبر بالفتح حمد الله تعالى وتفاءل بالنصر.
قال الواقدي: قال عياض بن غنم للصحابة اركبوا ودونكم والقوم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأمر خالد بن الوليد أن يكون بأصحابه في الميمنة من القوم وأمر عمر ابن سالم أن يكون على يسار القوم وقال لهم: لا تخرجوا حتى تشب نار الحرب وتشتعل بالطعن والضرب فاحملوا واعتمدوا على السيوف فإنها أقرب للحتوف وليكن شعاركم التهليل والتكبير واقطعوا أجل أمنيتكم من الحياة الفانية وارغبوا في العيشة الراضية وإياكم والميل إلى دار الغرور فإنها محل النوئب والثبور: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ