صباحا فاشغلهم عن ذلك ونزل على باب اسطاحون وهو الباب الشرقي وكان قد ضرب على الباب المذكور قبة من الديباج برسم عدو الله مرسيوس والى جانب القبة منجنيق عظيم يتعلق في حباله مائة رجل وكان صاحبه ابن عم الملك وكان اسمه مترقيس بن اشفكياص وكان ابوه هو الملك قبل شهرياض وهو صاحب الدنانير الاشفكياصية.
قال: وإنما تقدم عياض بالمسلمين للقتال حتى يشغل أعداء الله عن خالد ومن معه بالمدينة فصاروا يرمون بمجانيقهم وسهامهم وكان قد وصل مع عياض غلام من أهل المدينة اسمه جميل بن سعد الداري وكان أرمى خلق الله بالنبل وكان قد وصلت له أم عجوز فلما كان ذلك قال: يا أماه اريد أن أجاهد هذا اليوم في الله حق جهاده فلعلي أن ألحق باخواني وجدي الذين قتلوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعها وسار فقالت يا بني سر والله ينصرك ويؤيدك قال ثم إنه تقدم ووقف وهو يتستر وكان قد شاع ذكره بين العرب وإنه كان ينظر إلى الطائر في الجو فيقول انني قد عولت أن أضرب هذا الطائر في موضع كذا فيضربه فيقع الطائر والضربة في المكان الذي ذكره فلما كان يوم قتال عين وردة تقدم وجعل يضرب البطارقة من أعلى السور فلا يقع سهمه إلا في فؤاد أو في حدقة حتى قتل ثلاثين بطريقا منهم من وقع إلى المدينة ومنهم من وقع إلى الخندق قال: وكشف برج الباب قال: وكان عدو الله مترقيس المتقدم ذكره صاحب المنجنيق ارمى خلق الله فجعل يعبر ويرمي فقال الناس لجميل بن سعد أيها الغلام أبعد لئلا يصل اليك حجر المنجنيق فأنا نخاف عليك منه فقال: يا قوم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كتاب الله العزيزم: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء: ٧٨] ولا بد أن أثبت لهم ثم إنه رمى رجلا من الذين يجرون الحبال فقتله وثانيا وثالثا فقتلهما قال فهربت البطارقة عن الحبال وقالوا: لا طاقة لنا بالوقوف في هذا المكان من هذا الغلام فقال مرسيوس البسوا الدروع واستتروا ففعلوا وقعدوا في الحبال ورمى بحجر فوقع في رجل من بجيلة فقتله ولم يزل حتى قتل ستة رجال قال: وإن جميل بن سعد يرمي فلا تخطىء نباله وهو يقول واشوقاه إلى الشهادة وإن أصل إلى دار العلم والشهادة فنودي من سره أن اردت ذلك فبادر إلى ذلك ولا تخف ولا تحاذر وأطلق عنان كليتك في ميدان طلبتك وإياك والتخلف عن بابنا فمن ارادنا أردناه ومن أحبنا أحببناه.
فقال ها أنا أتقدم وجناني في الحقيقة لا يتالم قد بعت منك نفسي فاقبل شراها فعسى أن آتي الجنة وأراها فقيل له: قد قبلناك فامرح وأطلق لسانك بشكرنا وافرح فمن باع نفسه منا لم يكن بمغبون واسمع ما سطرناه في الكتاب المكنون.