للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسمي على الأفلاك وقال جل وعلا: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: ٤٥] .

قال الواقدي: فلما سمع بطريق ميافارقين هذا الكلام من الحكم بن هشام قال: والله ما في دينكم مراء وأنتم على الحق ولقد كنت أسلمت على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببيت المقدس ثم جئت إلى هذه المدينة وكان عليها وال فمات ووليت الأمر من بعده فرجعت إلى ديني الاول فإن أنا تبت إليه ورجعت إلى دينكم أيقبلني على ما ارتكبت من المعاصي فقال له الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوما لأصحابه.

: "بأي شيء يكون ابن آدم أشد فرحا" فقالوا: بالأهل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون ابن آدم أشد فرحا منه إذا كان في مفازة ومعه راحلته عليها زاده وماؤه ومنافعه فإذا كان في بعض المفازة اشتد عليه الحر فاوى إلى ظل فنزل عن راحلته وتوسد ذراعه فنام ثم انتبه وقد ذهبت راحلته وعليها طعامه وشرابه وغذاؤه ومنافعه فانطلق في طلبها يمينا وشمالا فلم يجدها فرجع إلى موضعه ليموت فيه وقد أيقن بالهلاك فنام ثم انتبه فوجد راحلته كما هي فأخذ بخطامها" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من ذلك الرجل بتلك الراحلة".

قال فلما سمع اسلاغورس كلام الحكم بن هشام دمعت عيناه وأخذهم إلى دار ولايته وقال: والله لقد بان الحق وظهر الصدق فاسلم وحسن إسلامه وطلب جماعته فاسلموا بأجمعهم ثم إنه طلب أكابر البلد وأخبرهم بإسلامه وقال لهم: إني أريد منكم ما أريده لنفسي وإن دين هؤلاء يعلو ولا يعلى عليه فمن أسلم منكم أمن في الدنيا والآخرة وهم قد نزلوا على آمد ولا بد لهم من ديار بكر جميعها فمن خالفهم وعصى نهبوا بلده واستعبدوا أهله وولده فإن اسلمتم لهؤلاء القوم أمنتم على أنفسكم وبلادكم فقالوا: أيها الصاحب أمهلنا ثلاثة ايام حتى نرى ما لنا فيه الصلاح فتركهم وانصرفوا من عنده فلما كان الليل اجتمعوا وتحالفوا أن لا يسلموا للعرب أبدا ولو هلكوا عن آخرهم واصروا على القتال فبعد ثلاثة ايام طلبهم فلم يأته إلا القليل وأتت إليه العين الصافية وأخبرته بما عزم عليه أهل البلد ثم لبسوا سلاحهم وأتوا إليه يقاتلونه فخرج إليهم بجماعة ومعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا قتالا شديدا فلما جن الليل قال لهم: ارسلوا إلى أميركم ينجدنا فارسل واحدا منهم فما بعد عن البلد حتى سمع قرع حوافر الخيل فلما تبينهم إذا هم من عسكر الموحدين وإذا هم خمسمائة فارس وعليهم ضبة بن عدي وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره بقصة ميافارقين وما جرى لصاحبها من أهل بلده وأمره أن يرسل إليهم جيشا فاستيقظ من نومه وأرسل إليهم ضبة بن عدي ومعه خمسمائة فارس وأذن الله للأرض أن تطوي لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>