فوصلوا إليهم في تلك الليلة فأتى بهم إلى باب السر وكانوا قد وكلوا به من يحفظه فنادى ففتحوا لهم وإذا بصاحب البلد قابلهم فأدخلهم فقالوا له: من أعلمكم بقدومنا فقال صاحب البلد أعلمني بكم النبي صلى الله عليه وسلم رأيته وقد نمت من ضيق صدري بقتال هؤلاء القوم أهل البلد فنمت فرايت شخصه الشريف فبشرني بقدومكم فلما حصلوا بأجمعهم خرج للقتال أهل البلد فصاح بهم المسلمون يا أعداء الله قد حل بكم البوار وأحاطت بكم الاقدار من أصحاب محمد المختار ووضعوا فيهم السيف فولوا إلى منازلهم ودورهم ليتحصنوا بها وقد علموا أنه قد نزل بهم مالا طاقة لهم به فنادوا الغوث فقال لهم: من أتى الينا فهو آمن فخرجوا فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمناكم على جميع مالكم إلا السلاح قال فأتوا بجميع ما عندهم من السلاح وسلموه للصحابة فلما رأوا منهم صدق القول أسلموا إلا قليلا منهم وعملوا البيعة الكبيرة جامعا وأقاموا ثلاثة ايام وتركوا عندهم الحكم بن هشام ومعه عشرة من أصحابه ليعلموهم شرائع الدين وأتى ضبة ومن معه إلى عياض وأخبره بما جرى ففرح بذلك وقال: وإن أهل آمد لم يفتحوا بابا ولا باشروا قتالا وضاق صدر عياض ومن معه من ذلك.
قال الواقدي: ومكثوا خمسة أشهر وكان خالد بن الوليد كما ذكرنا على باب الماء وكان في يوم يركب بجيش الزحف ويدور حول المدينة فإذا أتى الليل نزل في منزله وكان غلامه همام يخبز له في كل ليلة اقراص شعير ويتركها له في قبته فإذا صلى المغرب أكل تلك الأقراص عند الافطار وإنه استمر ثلاث ليال لم يجد شيئا يفطر عليه فقال لغلامه همام أنت يا ولدي ما عندك ما تفطرني عليه ولك بهذه الليلة ثلاث ليال لم تصنع لي شيئا فقال: والله يا مولاي انني في كل ليلة أصنعها وأضعها له ولم يكن عندي منها علم وما ظننت إلا إنك تأكلها فلما كانت الليلة الرابعة وضع همام الاقراص على عادته وأخفى نفسه وجلس لينظر من يأخذها فإذا هو بكلب قد أقبل من نحو المدينة ودخل القبة وأخذ الزاد وخرج فتبعه همام وإذا به قد دخل من مسرب الماء في جانب السور قال فتركه همام وعاد فلما أتى خالد من صلاته أقبل وطلب الفطور فقال له همام: يا مولاي كان من الامر ما هو كذا وكذا قال خالد: يا همام أرني الموضع فمضى همام أمام خالد وأراه الموضع الذي دخل منه الكلب فلما رآه قال: الله أكبر فتح الله ونصر وعاد وطلب أصحابه وأعلمهم بالقصة.
وقال لهم: قد عولت أن أدخل المدينة من مسرب الماء وأريد منكم مائة رجل يهبون نفوسهم لله تعالى وتعلمون أن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار وفاء لمن أخذ منها بحقها ودار رجاء لمن تزود منها ودار نجاة لمن فهم عنها الدنيا مهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد أحبابه وأوليائه أتخذوها مزرعة فرحمنا الله وإياكم.