وكان لنا ولكم فمن أراد الزاد من هذه الدنيا الفانية إلى يوم حشره فليبادر إلى التجارة الرابحة ولا يغره طول الاجل فيطمئن إلى التقصير في العمل إلا وإني قد وهبت نفسي لله وقد أشترى ثم قرأ:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١] فمن باع فليبادر ولا يجزع مما يحاذر فالموعد بيننا في عرصات القيامة وموقف الحسرة والندامة فاتبعوا سلفكم الطاهر والدين الباهر فعولوا على بركة الله وعونه واختار من أصحابه مائة وأمرهم بلبس السلاح وركب عياض وأعلمه بما عزم عليه من دخوله المدينة من المسرب وقال له: كن على أهبة إذا سمعت التكبير والتهليل فقال علمت ذلك وأنا على أهبة بحمد الله امض أعانك الله ونصرك وسر على بركة الله وعونه قال فودعه خالد ورجع إلى أصحابه فوجدهم قد استعدوا فسار أمامهم وهم رجالة إلى أن أتى إلى باب المسرب وكان نصف الليل وأمر الله سلطان النوم فاستولى على من كان على السور والحرس لانه جل شأنه إذا أراد أمرا بلغه وهيأ أسبابه قال فأول من دخل من المسرب خالد رضي الله عنه وتبعه عامر بن الاحوص وحذيفة بن ثابت وعمران بن بشر وتمام المائة رضي الله عنهم وما منهم إلا من تسرب ودخل ومن كان جسيما لا يقدر على الدخول رجع وهو متأسف على الشهادة فحصل في المدينة ثمانون رجلا ولم يصحبهم إلا من دخل من المسرب ثم أن واحدا من الذين تأخروا عالج في حجر فقلعه فاتسع المكان ودخلوا بأجمعهم وأدركوا أصحابهم وقد توسطوا المدينة وارتحت بها الأصوات واستيقظ الراقد وارتعد القاعد وقصد خالد مطلع السور ومنع الناس من النزول وأخذتهم الأحجار وأرسل خالد عشرة من أصحابه إلى الباب فكسروا الاقفال وفتحوا الباب وكان عياض قد ركب وأيقظ الناس وقد تهيأ للحرب فلما كبر خالد ومن معه بادر عياض ومن معه إلى الباب فوجده مفتوحا فدخلوا وأقبل أهل المدينة يهربون إلى السور والليل قد غسق والظلام اتسق والقتام قد أطبق فما بقى أحد يقوم من مرقده إلا والسيف قد رمى رأسه عن جسده وهذا خرج من عند أولاده والسيف قد قطع في فؤاده وخالد ومن معه يكبرون وقد تقطعت بأهل آمد الاسباب واحاط بهم العذاب قال: ولم تزل الأبطال تبطح وتطرح وصدور المسلمين تشرح ولنحور الكفرة تذبح والعوائق تقطع والشجعان للرؤس تقرع والصوارم تقطع والانوف تجدع وقلب الذليل يفزع والجبان يجزع والعيون تدمع والصائح لا يسمع ولا شافع يشفع ولا مانع يمنع ولا دافع يدفع ولا قلب يخشع حتى إذا ولى الليل ونزع والصباح عول على أن يطلع وخالد يصيح ضياح السميذع حتى انطوى الليل بمطارف الدجى عند انتشار رايات الضيا فنظر أهل البلد إلى ما حل بهم ونزل عليهم فأقبلوا إلى دار الامارة يطلبون الملكة مريم فلم يجدوها قال: وكان السبب في ذلك أنها سمعت بأن الصحابة قد حصلوا في المدينة فعلمت أنها لا تخرج من أيديهم فأخفت.