المسلمون حتى نزلوا على الهتاج فابى أهله أن يسلموا وعولوا على القتال ونصبوا الرعادات والمجانيق فنظر عياض إلى ذلك فعظم عليه وقال هذا حصن منيع ومتى تركناه ومضينا عنه اغاروا على أهل هذه البلاد وأذاقوهم الشر وقد لزمنا من أسلم ومن صالحنا الزم لنا فلا نحيد عنه حتى نفتحه أن شاء الله تعالى فقال خالد: انزلوا بنا عليه ولعل أن يأتي من عرضيات الأمور ما لم يكن في حساب.
قال الواقدي: وكان صاحب الهتاج شيطانا مريدا وجبارا عنيدا وكان اسمه يانس بن كليوس وكان قد تزوج بميرونة ابنة بريونة ابنة يريول بن كالوص صاحب قلب والحصن الحديد وكانت قد زفت إليه وأقامت عنده سنة ثم إنها مضت إلى زيارة أبيها وأمها وأقامت عندهما شهرا فلما خرجت من عندهما ومضت إلى الهتاج عند زوجها فبينما هي في نصف الطريق إذ بلغها أن المسلمين قد نزلوا على الهتاج فجلست في مكانها ولم تبرح وكان عدو الله يحبها ولا يجد له عنها صبرا فلما رأى المسلمين وقد نزلوا عليه علم أنه لا يقدر أن يجتمع بالجارية فاتفق رايه أن يصالح المسلمين حيلة منه ومكرا وخديعة حتى تحصل زوجته عنده ويغدر ولا يعطي أحدا طاعة فأرسل إلى عياض يقول له إنك لو اقمت علينا بقية عمرك لما قدرت علينا ولكن صالحنا سنة كاملة شمسية فإن أنت فتحت ما بقي من ديار بكر فنحن نرجع إلى طاعتك وإن لم تقدر على فتح البلاد فلا طاعة لك علينا والسلام وارسل إلى عياض رجلا من متنصرة العرب من ربيعة الفرس وكان ذلك الرجل مدبر بلاد الهتاج هو وبنو عمه وكان اسمه مرهف بن واقد وكان ميله إلى العرب أكثر من الروم فلما أدى الرسالة إلى عياض أجابه إلى الصلح لئلا يطول مقامهم فلما هم مرهف بالرجوع قال لعياض أما والله أيها الأمير ما كنت بالذي أدع النصيحة للعرب وأستعملها للعلوج وهذا العلج قد اتفق رأيه على كذا وكذا فإن كنت ترحل وتكمن لزوجته وتأخذها ومن معها وتطلب منه البلد فإنه يسلم لوقته فافعل فقال عياض ما كنا نقول قولا ولا نفي به ولعل الله ينظر إلى صدق نياتنا فيفتحه علينا.
حدثني مالك بن بشر بن عامر وكان ممن حضر فتوح الشام وديار بكر وديار ربيعة قال بينما مرهف يحدث عياضا إذا بغبرة قد اقبلت فقال عياض لميسرة بن مسروق اركب وانظر ما هذه الغبرة فركب ومضى هو وجماعة من الصحابة وعاد ميسرة وهو يقول أبشر أيها الأمير بالفتح قال: وما الخبر يا ابن مسروق قال هذا جيش ابن هبيرة المازني قد أغار على البلاد وأتى بالاموال والرجال قال فظهر البشر في وجه عياض وجعل يتطاول إلى قدوم ابن هبيرة المازني حتى وصل وسلم على عياض وعلى المسلمين وعرض عليه الغنائم ومرهف بن واقد يتأملها إلى أن عرضت عليه جارية رومية تخجل الشمس منها وعليها زي الملوك فأطرق المسلمون إلى الأرض يستعملون الأدب.