قال فلما سمع يوقنا ذلك من قوله وثق به وبعث الأسرى إلى عياض فلما وصلوا إليه قال لهم: أن أطلقتكم أتعرفون لنا ذلك قالوا: نعم وكيف لا نعرفه فأطلقهم حتى تسمع أهل البلاد فينزلوا إلى طاعته وأما يوقنا فإنه سار جريدة بقية ليلته فما برق ضياء الفجر إلا وقد أشرفوا على الحصن فعندها أطلق البطريق ووثق منه بالعهود وأعطاه جواده وسلاحه وسار كأنه قد أفلت نفسه وساق على على شوط واحد إلى الحصن وكان بالقضاء المقدر أنه وجد البطريق يطالقون قد عبر إلى جانب اسعرد ومعه ألف فارس والف راجل وكان السبب في ذلك أن قوما من أصحاب البطريق حرسلو كانوا في كنيسة يوقنا فأتوه وحدثوه بما تم عليهم من القوم فعبر لعله يستخلصهم من يد يوقنا فلما وصل إليه البطريق ترجل وصقع له وحدثه فرق له وقال كيف تخلصت قال خلصت يدي من الكتاف وركبت هذا الفرس فلما أحسوا بي ركبوا ورائي وها هم في اثري بالقرب من باياعا قال فلما سمع ذلك يطالقون بن كنعان أمر بالركوب وسار من وقته طالبا يوقنا وقال هذا الذي أردناه من أمر الجهاد قد قربه الله الينا فدونكم والقوم ولم يمهل بعضهم بعضا وتطاعنوا بالرماح وصبر يوقنا صبر الكرام ووقع الصائح من كل جانب ونشرت أجنحتها النوائب واستعان أصحاب يوقنا برب المشارق والمفارب فبينما هم قد اشرفوا على المعاطب إذ أشرفت عليهم غرر الخيل وهم يتسابقون فنظر إليهم يوقنا وإذا هم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة آلاف فارس يقدمهم خالد بن الوليد وكان السبب في قدومهم أن عياضا خاف على يوقنا وبني عمه فارسل إليهم في أثرهم خالدا فوجدهم في القتال فأطلق عنانه وقال: يا أهل الإيمان وحملة القرآن دونكم وعبدة الصلبان ارفعوا اصواتكم بذكر ربكم قال: ونظر يوقنا النصرة وقد اقبلت فعظم شأنه والتقى بصاحب الحصن وقد عرفه بزيه فتطاعنا طعنا كافيا وتضاربا ضربا شافيا شافيا إلا أن يوقنا طعن صاحب الحصن فرماه إلى الأرض قتيلا وصنع فيهم خالد رضي الله عنه والصحابة رضي الله عنهم كما تصنع النار في الحطب ولما قتل يوقنا صاحب الحصن قطع رأسه وجعله على سنانه ونادى عمن تقاتلون وقد قتلنا صاحبكم فلما رأوا الرأس ولوا الادبار ومات أكثرهم وولى الباقون نحو الجبل ووقع الصائح في الحصون بأن يطالقون قد قتل فولوا الأدبار.
قال الواقدي: وكان ليطالقون زوجة عاقلة لبيبة صاحبة رأي وتدبير فلما رأت ما حل بزوجها وإن أهل الحصن قد قتل أكثرهم وتفرقوا بالهزيمة أيقنت بزوال ملكها وخراب بيتها فجمعت المشايخ وأرباب دولتها وقالت لهم اعلموا أن الملك قد قتل وقد تفرق شمل من كان معه وقد وصلكم ما صنع هؤلاء العرب مع ملوك دين النصرانية وبني ماء المعمودية وكيف ملكوا الشام وأرض ربيعة وديار بكر وديار مصر وقد دانت.