ومن معه ولحقهم يوقنا فرح المسلمون بسلامتهم وحدثه بما جرى فسجد لله شكرا ثم بعث يوقنا رسولا إلى صاحب بدليس وكانت أرزن وبدليس وقف وأنظر وغيرها من القلاع لبطريق اسمه سروند بن بولص والجارية طاريون نازلة هناك وسروند عندها فلما علموا بقدوم يوقنا رهبوا إلى لقياه واختلت به طاريون وقالت له: يا عم لا تظن إني هاربة ولا إلى الروم طالبة وإنما أريد أن أنصح لله ولرسوله وللمسلمين وأريد أن أغدر بأبي وأقتله واسلم معاقله للمسلمين لكن يا عم أشر علي بما أصنع فأنت تعلم أن هذا الدرب لبدليس وأخلاط وعليه قلعة قف وأنظر وإذا أرادت العرب العبور فليس لهم قدرة فما الذي تراه وأخاف أن حصلت عند أبي أن لا أقدر على الرجوع إلى بعلي والى المسلمين فقال لها يوقنا اعلمي إنك إذا سرت بهذه النية فإن الله جل وعلا يفتح عليك أبواب الخير وأمضى على ما أنت عليه وأنا لا بد لي أن أمضي برسالة الأمير عياض إلى أبيك وها أنا ابكر فإذا حصلنا هناك كان لنا من التدبير ما يريده الله ونصل أن شاء الله إلى ما نريد وعلمها ما تصنع وودعته وعادت فقالت أن هذا العديم العقل يلح علي ويعذلني لأجل أن ارجع وأعود عما عزمت عليه من الرجوع إلى دين المسيح ولولا أنني أخاف ممن معه ومن صاحب هذا الحصن أن يعينه علينا لكنت قبضت عليه ثم إنها ركبت وسارت تجد السير وأرسلت بعض غلمانها يبشر اباها بقدومها فلما وصل البشير ارتجت المدينة وركب ابوها والبطارقة وأهل البلد لملتقاها فلقوها عند خضريا فلما رأت أباها ترجلت وترجل ابوها والعسكر جميعه وصقعوا بين يديها وضمها أبوها إلى صدره وقال لها يا بنتي كيف كان أمرك.
قالت أن يرغون نصب علي ووصل بي إلى عسكر المسلمين وأسلم فلم يمكنني إلا أن أطاوعه خيفة منهم إلى أن دخلوا ديار بكر فهربت اليك فصلب أبوها على وجهه وهنأها بالسلامة وركب وساروا والمواكب حولهم إلى أن دخلت البلد ودخلت دار المملكة فتلقاها الجواري والخدم وصقعوا لها وبكوا وبكت وأخرجت الصدقات والنذور للبيع والكنائس وباتت تحدثهم بما جرى لها وحديث شهرياض وكيف أخذت رأس العين فقال أبوها يا بنية كيف رأيتيهم في دينهم قالت أيها الملك القوم يتظاهرون بالدين وانهم يطلبون الدين والعدل حتى يرجع الناس إليهم وليس والله دين أفضل من دين المسيح وقد نذرت نذرا متى خلصت من يد العرب أن لا أقرب قربانا ولا أشرب خمرا ولا آكل لحم خنزير ولا أنغمس في ماء المعمودية حتى أتعبد في بيعة يوحنا شهرين كاملين فإذا أنا تطهرت من دينهم أقرب القربان وأقبل الصلبان ففرح أبوها بذلك فلما كان الغد مضت إلى البيعة وأخلت لها موضعا وجعلت تتصدق على الفقراء وتظهر النسك والعبادة وأقامت تنتظر ما وعدها به يوقنا من القدوم بالرسالة إلى أبيها.