أشاور أهل بلدي وأرباب دولتي فإما أن نصالحكم ونؤدي اليكم الجزية أو نقاتلكم ونبعث إليهم طعاما مبنجا فإذا أكلوه وحكم فيهم البنج قبضنا عليهم ونفعل بهم ما نريد وأشير به عليك قال فلما جن الليل أتت هي وأبوها عندهم وتحدثوا ساعة ومضوا فلما كان الغد جلس ابوها على سريره وعلمت أبنته أنه اشتغل بما هو فيه فأتت طاريون إلى الصحابة وقالت لهم إذا جئت الليلة أنا وأبي فدونكم وإياه لا تمهلوه فقد اتفق رايه على كذا وكذا فشكروها على فعلها ومضت عنهم فلما كان الليل جاءت ومعها أبوها وتقدمت كأنها تحجبه واشارت إليهم بأن لا تعجلوا وأمهلوه فامسكوا عنه وتحدثوا ساعة وخرجا من عندهم فلما خلا مع ابنته قال لها أما قولك نقبض على هؤلاء العرب فليس بصواب وإني أريد أن أجمع بطارقتي وولاة أمري من الحصون والقلاع وآخذ لك عليهم عهدا أن لا يخامروا عليك أبدا وإن يطيعوك وأرسل المال والذخائر وما نخاف عليه إلى قلعة يرقبوس فإنه أمنع قلاع الارض.
قال الواقدي: وهذه القلعة التي ذكرت في وسط بحيرة أرجيس لا سبيل لاحد عليها قال لها وإذا وليتك عليها أطلق هؤلاء العرب فإنه ما سبقني أحد من الملوك الىقبض الرسل وأيضا يتحدث عني إني فزعت من العرب وقد عولت على لقائهم فإن نصرت عليهم فذاك هو المراد وإن نصروا علي فلي اسوة بأمثالي من الملوك وقد أرسلت إلى الملك درفشيل صاحب أرزن الروم بأن يأتي الي بجنوده وعدته وعدده ووعدته أن أزوجه بأختك فاورثه فما ترين من الرأي قالت له: أيها الملك إذا عزمت على هذا الامر فلا تترك هؤلاء يمضون حتى يجتمع العسكر ويقدم الملك درفشيل بجيشه ولا يتخلف عنك أحد وبعد ذلك اترك هؤلاء فإذا ساروا إلى صاحبهم فسر أنت في أثرهم بالجيوش وأكبس عسكرهم.
فقال: يا بنية ليس من الرأي أن نطلقهم من أيدينا بل نبعث إلى صاحبهم نقول له أنهم مكرمون عندنا وقد رأينا أننا في يوم عيد ندبر فيه أمرنا فإما أن نصالحكم بأداء الجزية واما أن نقاتلكم والله ينصر من يشاء ونأمرهم أن ينزلوا في مرج بطان فإنه مرج واسع يصلح لملتقى العساكر ونضرب معهم مصفا ونحن أخبر منهم بالبلاد ونمسك عليهم الدروب فما ينجو منهم أحد ونسير إلى ديار بكر فنملكها ونأخذ أرض ربيعة ولا يبقى في هذه البلاد ملك سوانا فقالت له طاريون: افعل ما تشاء وتركته وانصرفت إلى مكانها فلما عرفت أن أباها قد أغلق أبوابه أتت إلى الصحابة وعرفتهم بما قال أبوها فقال خالد: الله يسر لنا الامر من غير تعب وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه فقال يوقنا وكيف ذلك يا صاحب رسول الله فقال خالد: نعم نحن أمورنا بحمد الله منوطة بالنصر وقد كفانا كل أمر واعلموا أن هذا الرجل قد عول أن يبعث ليجمع ملوكه وجيوشهم.