ويحرضهم على قتالنا والصواب أننا نصبر حتى يجتمعوا فقالت طاريون لقد نطقت بالصواب يا صاحب رسول الله ووفقت ولعل أن يحصلوا كلهم في أيديكم إن شاء الله فإن أبي لا يقدر أن يوليني إلا في البيعة بحضرة أصحاب القلاع والحصون ويأخذ لي عليهم العهد وبعد ما يفعلون ذلك تثورون عليهم أن شاء الله ولعل أن يكون في جملتهم صاحب أرزن ونرسل العبد الصالح يوقنا بزي صاحب أرزن فلعله يملكها أن شاء الله تعالى ونكون ظفرنا بالأرب وخرجت من عندهم.
قال الواقدي: حدثنا صالح بن عمران عن عبد الرحمن بن الحسن عمن حدثه قالوا جميعا أو من قال منهم أنه لما أتفق الرأي من الملك صاحب خلاط على ما ذكرنا واصبح الصباح أرسل وراء صاحب أعماله وولاة الحصون أن يحضروا عنده فأتوا بأجمعهم ولم يتخلف منهم أحد وأتى درفشيل من أرزق ومعه عسكره وكان اجتماعهم في ليالي عيدهم الكبير فزينوا البيعة وجاءت القسوس والرهبان من كل مكان ودخلوا البيعة وصلوا وقربوا القربان فلما فرغوا من قربانهم وصلاتهم جلس الملك على سريره وابنته واقفه عن يمينه فقال للملوك والبطارقة اعلموا انني ما جمعتكم إلا لامر أعرضه عليكم وفيه سداد أمركم وملككم ودينكم وقد عولت على انني أولي أمركم الملكة طاريون فإنها كما علمتم من أصحاب العقل والرأي والتدبير في الحرب والشجاعة والبراعة فإن قضى علي فإنها تكون مالكة فما تقولون فقاموا بأجمعهم وصقعوا له وقالوا: نعم الرأي الذي رايته أيها الملك فانجز أمرك فعندها وثب قائما وأزال التاج عن رأسه ووضعه على رأس طاريون وأمسك بيدها وأجلسها على السرير ووقف عن يمينها كأنه حاجب ووقف صاحب أرزن عن يسارها وصعقت لها الملوك وبايعوها وتقدمت القسوس والرهبان وأخذوا لها عليهم العهد والميثاق وأجابوا بالسمع والطاعة وبعدها زوجوا أخت طاريون بولد صاحب أرزن وخرجوا من البيعة في خدمة طاريون إلى قصر الملك وأكلوا السماط وخلعت عليهم وزينت المدينة وضربوا خيامهم بظاهر البلد وعولوا على قتال المسلمين.
قال الواقدي: حدثني اسرائيل بن اسحق عن أبي الاحوص قال بلغني أن عياض بن غنم لما وجه خالدا إلى مدينة ارمينية وهي أخلاط واستبطأهم ساءت به الظنون فيهم فارتحل من بدليس إلى أرض أرزن ونزل بالمرج ووجه عيونه إلى خلاط فغابوا عنه اياما وعادوا إليه وأخبروه أن الملك قد ولى ابنته طاريون على المملكة وقد عقد لها التاج على رأسها وبايعها الملوك وزينوا المملكة من أجل ذلك وقدم صاحب أرزن الروم وزوج أخت الملكة لابنه وإن القوم قد عولوا على لقائكم فلما سمع عياض ذلك قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم غدروا أصحابنا فقال المسلمون كيف ذلك يا صاحب رسول الله قال: لان اصحابنا مضوا لامر يرومونه وقد وفد عليهم فقالوا: ثق بالله.