وتوكل عليه وأقام عياض على المرج عشرة أيام وحصل له مرض على أمر الصحابة فأتته الناس يعودونه فقال إذا أراد الله بعبده خيرا زاره الناس.
قال الواقدي: وعوفى عياض فبينما هو قد ركب مع وجوه الصحابة وهم يسيرون وقلبه مشغول من قبل خالد ومن معه وإذ قد أتاه سعيد بن زيد وهو ينادي الوحا الوحا العجل العجل فأسرع إليه عياض وقال: ما بك يا ابن زيد يرحمك الله فقال ألحق خالدا ومن معه فقد وقعوا في بحر اللجاج وهم في وسطه فلما سمع عياض ذلك قال: وكيف قال أن طاريون لما ولاها أبوها الملك وجعل العهد لها ظفرت بابيها فقتلته وبعثت وراء الملوك على لسان أبيها فلما جاءوا اليها قتلتهم وإن بعض غلمانها اطلع على سرها فمضى إلى بقية البطارقة والولاة فأخبرهم بما صنعت فلبسوا السلاح وقعدوا على أهبة فلما كان بالامس ركبت هي في جيش ابيها إلى الميدان وركبنا نحن لركوبها فما علمنا إلا والقوم قد أطبقوا علينا وقالوا: لنا أظننتم أن المسيح غفل عن أمركم وإنه لا يؤاخذكم بذنوبكم وقد أمكن الصليب منكم وهموا بأخذنا فقاتلناهم قتالا شديدا ما سمع أحد بمثله وملأنا الأرض من قتلاهم فلما جن الليل وضعت الحرب أوزارها وانفصل الجيش مع صاحب أرزن الروم وبقي مع الجارية نفر يسير من غلمانها وغلمان أبيها فأفاضت عليهم الخلع والنعم وبعثت إلى الارمن تقول لهم إنما فعلت ذلك شفقة عليكم وصونا لحريمكم لانهم ارادوا أن يقبضوا على هؤلاء العرب ويقتلوهم فكان أصحابهم لا يتركون منكم مخبرا فلما بلغهم ذلك قال العقلاء منهم والله لقد فعلت معنا كل خير وأجابها من القوم خمسة آلاف رجل وإني تركت المصف وجئت اليكم مستنفرا فلما سمع عياض كلام سعيد أمر الناس بالرحيل وسار سيرا خفيفا وخببا إلى أن أشرفوا عليهم وإذا بالحرب قد قامت على ساقها فكبر عياض ومن معه فارتجت منهم تلك الأرض والجبال وحملوا وكان خالدا وأصحابه قد أرضوا الله بقتالهم فقاتلوا قتالا ما سمع على وجه الأرض بمثله ولم يزالوا كذلك حتى انقشع الغبار وانفصل القتار وافتقدوا من قتل فوجدوا من قتل من بادية الاعراب مائة وعشرين رجلا وافتقد معاذ ابن جبل ولده فلم يجده فلما جن الليل دخل ومعه رجال من المسلمين إلى المعمعة فوجدوه يجود بنفسه وقد ناله جراحات فحملوه إلى رحله وجلس ابوه عند رأسه فقال عبد الرحمن بن غنم أخو عياض لما رأيته يجود بنفسه بكيت وانتحبت فقال له: مه وهذه الغزوة أحب الي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال له: يا بني ستلقي ربك وكان لما أذن المؤذن للظهر فما انصرف العسكر من صلاتهم إلا وقد كفنه في دراعته وهو متضمخ بدمائه فجاءه الناس فوجدوه قد دفنه فقالوا له: يرحمك الله هلا كنت انتظرتنا حتى نحضر جنازته قال ليس ذلك من