شهادة أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله ولكم ما لنا وعليكم ما علينا فإن أبيتم فأدوا الجزية فإن أبيتم إلى ما دعوناكم إليه فائذنوا بحرب من الله ورسوله فلما سمع النعمان كلام سعد ضحك استهزاء بقوله وقال لقد حدثتكم أنفسكم بالاباطيل أظننتم أن الفرس مثل الروم لا وحق المسيح بل هؤلاء أثبت جنانا وأشد طعانا وأوسع ميدانا فليت شعري من نفخ في معاطسكم وحسن الامل في أنفسكم حتى جئتم من قحط البلاد ترومون ملك الاساورة وأخذ بلاد الاكاسرة ودونه حرب تصطفق أجرامه وتشب ضرامه وهذا الملك أزدشير قد أنفذ جيوشه وعساكره وكأنكم بهم وقد أقبلوا فينالون منكم ما يؤملون وما حدثتكم به أنفسكم تزيلونه من قلوبكم فقال سعد بن عبيد يا نعمان لقد تشدقت بالباطل وتفوهت بكلام غير عاقل أما علمت أن العاقبة للمتقين والله بكرمه يرفع عنا البأس ويظفرنا بجميع الناس وقال نبيه صلى الله عليه وسلم:"ستفتح على أمتي كنزر كسرى وقيصر" فأما كنوز قيصر فقد فتحها الله علينا وقد بقيت كنوز صاحبك فقال النعمان من أين كان لصاحبك العلم ومن أين ورثه وقد بلغنا أنه كان لا يكتب ولا يقرأ فقال سعد بصره الله بالعلم في القدم وعلم ما كتب في اللوح المحفوظ بالقلم فلما سمع النعمان كلام سعد قال له: يا ويح قومك ارجع إلى قومك فليس عندنا جواب إلا السيف قال فركب سعد وعاد فوجدهم قد نزلوا بالقرب منه فحدث سعدا بما جرى له مع النعمان بن المنذر وما كان من جوابه وجعل الأمير سعد بن أبي وقاص ينشد:
ساحمل فيهم حملة عربية. ... ولا أنثني والله عنهم بعسكري.
فإما نرى النعمان في القيد موثقا. ... واما طريحا في الدماء المعفر.
ثم أمر الناس بالرحيل فرحلوا وساروا إلى أن أشرفوا على جيش النعمان قال فلما رأوا جيوش سعد أمر الناس بالركوب فتبادرت العرب إلى خيولهم فركبتها وجنبت الجنائب وضربت الكاسات وتبادرت الابطال ونشرت الاعلام فلما وصل سعد رضي الله عنه ولقي القوم قد أخذوا أهبتهم رتب جيشه وصفهم وألفهم وجعل في الميمنة سعد بن عبيد القارىء وفي الميسرة سعد العشيرة وفي الجناح الايمن سعد بن نجيبة وعلى الجناح الايسر سعد بن الاقيس الهلالي وأقام الأمير سعد في القلب ومعه أبو محجن الثقي وزهرة بن جويرية وشرحبيل بن كعب.
قال الواقدي: حدثنا أحمد بن عامر قال أخبرنا علي بن مسهر عن أبان عن الحسن قال لما استوت الصفوف وترتبت كل قبيلة جعل الأمير سعد يتخلل الصفوف ويعظ من فيها من عرب بجيلة وطيء وبني هلال والنخع وغيرهم ويقول هذا يوم لانرى بعده مثله أما بلغكم ما فعل اخوانكم بالشام لما تكاثرت عليهم جموع اللئام فاستيقظ المسلمون بقول سعد وقالوا: نحن نحمل عليهم بشدة العزائم ولعل الله أن ينصرنا.