قال الواقدي: حدثنا عامر بن سويد قال لما رجعنا من قتال العدو إلى خيمة سعد رأيناه جالسا على التراب فلما رآنا قال مرحبا بقوم هجروا الدنيا وطلبوا العقبى كيف كان يومكم قلنا لقد شفينا نفوسنا من الاعداء ونصرنا شرع نبينا المصطفى ولقد رميت منا رجال كثيرة من المسلسلة بنشابهم فقال سعد اجمعوا الي العسكر جميعه وأمروا غلمانكم أن يجمعوا الشيح والقيصوم فإني أريد أمرا أرجو لكم به النجاة من الله قال ففعل القوم ذلك فقال للموالي اجعلوا ما جئتم به من الشيخ والقيسوم على ظهور الابل ووجهوها نحو المسلسلة فإذا قربتم منها فاضرموا النار في ظهور الابل والذعوها بأسنة الرماح حتى تدوسهم ونحن من ورائكم بسيوفنا قال ففعلوا ذلك فلما أتى الليل تقدموا أمام العسكر بالاموال والموالي من ورائهم إلى أن قربوا من المسلسلة وأطلقوا النار في الشيح ولذعوها بالاسنة فلما رأت الجمال ما على ظهورها من النار وما حل بها من الاسنة داست صفوف المسلسلة دوس الحصيد وحطمتها على وجه الصعيد وركب الأمير سعد مع الجيش ووضعوا السيف فيمن بقي من المسلسلة فبينما هم كذلك وإذا بعساكر الفرس قد أتوا وارتفع الضجيج وعلا العجيج وسميت تلك الليلة بليلة الهديرة ولم يزالوا في القتال إلى الصباح قال: وسمعت قائلا يقول كفيناكهم فقلت من أنتم فقالوا: نحن من خزيمة النخع ولم يزالوا يقاتلون حتى ما بقي منهم أحد ولا بقي لهم نسل فلما طلعت الشمس ركب رستم ابن اسفنديار وركب جيشه عن آخرهم ووقفوا بأجمعهم فاستقبلهم الموحدون وسعد يتخلل الصفوف ويعظهم ويوصيهم أي الأمراء وكان في الليل قد طاف على العسكر فرأى أبا محجن الثقفي يشرب الخمر وقال له: يا عدو نفسه لقد محوت أجر جهادك وعبادتك والله لآخذن منك حق الله وجلده الجد وقيده.
قال الواقدي: أخبرنا يوسف بن عمر قال الأسدي عن طلحة ومحمد قالوا: أو أول من فتح الحرب رستم وطلب البزاز فخرج إليه نجيبه فقتله فخرج زهير فقتله فأراد القعقاع أن يخرج وإذا بفارس قد أقبل إلى رستم وهو كالريح في هبوبها فصاح برستم صيحة أدهشته وطعنه في خاصرته فأطلع السنان من الخاصرة الأخرى فنظر إليه سعد فإذا هو أبو محجن وقد صنع ذلك برستم قال المتوكل عليه سألتك بالله أن تتركه.
قال الواقدي: حدثنا يوسف بن عبد الاعلى قال: حدثنا عمر بن ابراهيم عن عبد الله بن المبارك قال لما نزل سعد بن أبي وقاص على القادسية وقاتل عسكر الفرس وانهزمت الفيلة إلى المدائن وكان سعد رضي الله عنه يتنكر في الليل ويمشي في عسكره فمر في بعض الليالي برجال من ثقيف فوجد أبا محجن وهو يشرب ويترنم على خمرته فلما رآه غضب وقال له: لقد ذهب اجرك ونقص قدرك بعد جهادك للكافرين تتعرض.