للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها مقدما نهاوند فلما بلغه هزيمة العسكر نهبها وأما النهرجان ومهراق فانهما قصدا المدائن وعبرا نهرا شير وهي مدينة الذنب قال فلما حصلوا بالعدوة القصوى وقطعوا الجسر قصدوا الايوان ويزدجرد هناك فدخلوا عليه وحدثوه بما جرى لهم مع العرب فلما سمع ذلك أيقن بزوال ملكه فلما كان الليل عول على أن ينفذ أمواله وذخائره إلى نهاوند وتهيأ للحرب وأما زهرة فإنه سار في أثر القوم حتى جاوز سوار ونزل وأتى بعده هشام والمرقال ونزلا عنده حتى تكامل الجيش ونزل سعد بن أبي وقاص وارتحلوا إلى كوثاريا وأشرفوا عليها فلما رأي الفرس عسكر المسلمين قد أشرف عليهم أخذوا أهبة القتال وتهيئوا ومقدمهم شهريار.

فلما وصل إليهم زهرة ورآه شهريار وقع الرعب في قلوب أصحابه وماج بعضهم في بعض ولولا خوفهم من شهريار لولوا الادبار ورتب زهرة أصحابه فلما استوت الصفوف خرج شهريار للبراز وعليه زي الملوك ولأكاسرة وقال أنا شهريار فهل يبرز الي فارس لفارس أو أربعة لفارس أو عشرة لفارس فلما سمع زهرة كلامه قال: والله لقد أردت برازك غير إني لا أدع أحدا يخرج اليك إلا عبدا فإن قتلته فتكون قد قتلت عبدا وإن قتلك فهو المراد ثم إنه دعا مولا أبا نباتة الأعوجي فقال له: دونك وهذا العلج واستعن عليه بالله فخرج إليه أبو نباتة فلما وصل إليه ونظره استحقره لأن شهريار كان مثل البعير فألقى نفسه على أبي نباته وقد جرد سيفه فلما رآه أبو نباتة قد وصل إليه صادمه كأنه أسد وتضاربا بالسيوف حتى تكسرت فرمياها وتقابضا حتى سقطا إلى الأرض فوقع شهريار بابي نباتة وهو يراغه فوقعت ابهام شهريار في فم أبي نباتة فقطعها فارتخت أعضاؤه فانفلت وانقلب عليه فصار فوقه وجرد خنجره وطعنه به في نحره فقضى عليه فأخذ تاجه وسواريه وسلبه وفرسه وعدته وتوجه بها إلى المسلمين فلما نظر جيشه ما حل به ولوا الادبار وأقام زهرة هناك إلى الصباح وأقبل بقية الموحدين فحدث زهرة سعدا بما جرى لمولاه مع شهريار وكيف انهزم الفرس ففرح سعد بذلك وأمر أن يحضر أبا نباتة فاحضره فقال سعد عزمت عليك إلا لبست سواريه ودرعه وتاجه وركبت جواده قال ففعل فأعطاه السلب جميعه وقال له: قد أفلحت فكان أول مسلم سور بالعراق.

قال الواقدي: حدثنا نوفل بن عدي قال اخبرنا وائل بن غانم اليشكري قال لما قدم سعد إلى كوثاريا نزل في المكان الذي سجن فيه ابراهيم الخليل عليه السلام فصلى فيه وحمد الله وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم وقرأ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١٤٠] الآية قال: وأقام سعد بمشهد كوثاريا أياما ثم دعا الناس إليه وقال لهم: اعلموا أن الله تعالى قد نصركم في مواطن كثيرة وقد أراكم ما وعدكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>