لما قال ستفتح على أمتي كنوز كسرى وقيصر وقد ملكتم طرفا من كنوز كسرى والتمام على الله وقد عولت على العبور إلى المدائن التي من الجانب الغربي فقالوا جميعهم: أيها الأمير ما منا من يخالف ولا يبخل بنفسه على الله ورسوله فاعزم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال فلما سمع قولهم قدم زهرة برايته وجيشه وأمره أن يسير فسار في اثني عشر ألف فارس فما سار غير قليل إذ رأى بين يديه خيلا وعليها فوارس فأخذوا أهبتهم فإذا هم زهاء من مائتي فارس من الفرس فأرسلوا منهم فارسا يعلم المسلمين أنهم أهل ساباط ومقدمهم ي قال له: سرزاد وهو يطلب لاهل بلده صلحا وعهدا فقال له: زهرة ائتني بهم فلما قربوا منهم ترجلوا وأتوا المسلمين فتلقوهم بالبشر والسرور فقال لهم زهرة: من أنتم قالوا: نحن أهل ساباط وهذا مقدمنا وقد أقبلنا نطلب صلحكم فقال زهرة من قصدنا قبلناه ومن أراد صلحنا صالحناه ولسنا قوما نريد الفساد في الأرض ثم أمضى صلحهم على ما وقع عليه الاتفاق بينهم قال: وانطلق سرزاد إلى قومه ومعه جماعة فرحين بالصلح ولما نزل زهرة في نهمشير وجد كتائب الفرس وعليهم مقدم يقال له فيروز وهو فارس قومه ومعهم كبكبة كسرى التي يعتمد عليها في وقت شدته قال: واجتمع جيوش الموحدين عند زهرة مع سعد وتأهبوا للقتال.
قال الواقدي: فلما ترتبت الصفوف كان أول من برز واشتهر وسما وافتخر فيروز ورطن بالفارسية وقال: يا هؤلاء العرب لقد أطمعتم أنفسكم فيما لا تصلون إليه وساءت ظنونكم وزعمتم إنكم تملكون العراق وتأخذونه من أيدي الأكاسرة وهذا ظن لا يصير أبدا ونحن كتيبة كسرى أولو الشدة والبأس والقوة والمراس وأنا مقدمهم والرئيس فيهم فليبرز الي مقدمكم ويفعل مثل ما فعلت أنا من بين قومي قال فما استتم كلامه حتى خرج إليه هاشم بن المرقال يجر قناته من ورائه وحمل عليه وحصل بينهما حرب يشيب منها الطفل ثم أن هاشما طعنه في صدره فاطلع السنان من ظهره قال فلما قتله هاشم ورجع إلى المسلمين قبله سعد بين عينيه فترجل هاشم وقبل رجل سعد وقرأ: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}[ابراهيم: ٤٤] قال: وارتحلوا في أثرهم إلى أن نزلوا نهمشير وبقى كلما أقبلت تكبر وتنزل إلى أن أحاطوا بهم من كل جهة فأظهر القوم الزينة والسلاح والعدد والمجانيق وهم على الأسوار.
قال الواقدي: وأقام سعد على نهمشير شهرين وبعث خيله للغارات على شط الفرات والدجلة فاتوا ومعهم ألف فلاح فضمهم إلى سرزاد مقدم ساباط حتى يأتيه الجواب فيهم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويرجعوا إلى مقرهم فكتب سعد إلى أمير المؤمنين يقول بعد البسملة أما بعد سلام عليك ورحمة الله وبركاته فإني أحمد الله.