في أنفسكم ولا تهلكوها وسلموا لنا هذا الحصن ولكم الامان إلى أي جهة توجهتم لا يعارضكم منا أحد قال فلما سمعوا قوله قالوا: لا نسلم حتى نهلك عن آخرنا ثم رموا سلمان بالنشاب فقرأ: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}[الأحزاب:٢٥] وأشار إلى النشاب بيده فذهبت السهام يمينا وشمالا ولم يصبه منها شيء قال فلما رأوا ذلك قالوا: زنهار فبحق ما تشير إليه من أنت قال أنا روزنة وقد عمرت اربعمائة سنة ولحقت آخر ايام عيسى بن مريم وطفت الأرض حتى لحقت بنبي هذه الامة صلى الله عليه وسلم فلما أتيته أكرمني وخدمته فعظمني حتى أنه جعلني من أهل بيته فقال سلمان منا أهل البيت فلما سمعوا قوله وحققوا معرفته علموا أنه كان من عظماء أهل دينهم قال فصقعوا له وقالوا: والله ما نخفي عليك شيئا من أمرنا وسبب قتالنا ليس بسبب مال ولا متاع وإنما الملك قد مضى يريد نهاوند ولم يقدر على أخذ ابنته معه وهي مريضة وقد سلمها الينا فلزمنا من أمرها ما لزم فإن كنتم تعطون الامان عليها سلمنا لكم والا نموت يدا واحدة فلما سمع سلمان منهم ذلك قال دعوا هذه الامر حتى أشاور الأمير ثم عاد وحدث سعدا بما سمعه فقال: يا عبد الله أن المسلمين قد انتشروا في العراق ونخاف أن يقع بهم أحد فلا يبقى عليهم ولكن قل لهم لكم علينا أن نذب عنكم وتكونوا في ذمامنا حتى تجاوزوا أي جهة تريدونها وبعد ذلك لا نضمن لهم ما يأتي عليهم قال فحدثهم سلمان بما قاله الأمير فقال العقلاء منهم لولا أن العرب على حق ما نصروا علينا ومن الرأي أن نرجع إلى دين هؤلاء العرب ونعيش في ظلهم وإن القوم لا يريدون ملكا وقد رأيتم هذا الرجل وما ظهر لكم من كرامته قال ففتحوا باب السر وخرجوا إلى العسكر وأتوا إلى سلمان فأتى بهم إلى سعد وأسلموا على يديه فلما جرى ذلك بكى سعد وقال: اللهم انصر الإسلام وقرأ قوله تعالى وتلك الايام نداولها بين الناس وبعث إلى صاحب الاقباض فأخذ جميع ما في القصر الابيص من الاموال وخزانة الملك فلما قسم الغنائم على المسلمين أعطى أولئك أوفى نصيب وأنزل على واحد منهم في داره فلما رأى أهل البلد ذلك منه وما صنع مع هؤلاء دخل في دين الإسلام منهم ألوف اقتداء بالقوم.
قال الواقدي: حدثنا موسى بن عبد الله عن عمرو عن جده يحيى قال بلغنا غير هذا وذلك أن هاشم بن عتبة تبع المنهزمين من جنود الملك فانتهى سيره إلى مرج حلوان فالتقى بكتيبة من أهل فارس بالعدد والسلاح والهوادج والخدم والجواري والمماليك وقد داروا بمحفة من العود الرطب وعليها من الثياب الملونة المذهبة وأهلتها من الذهب مرصعة بالجواهر وقاتلوا دون المحفة قتالا شديدا وكانت المحفة لشاهران ابنة الملك يزدجرد بن كسرى وكان السائر بها ساقر بن هرمز فقتله وقتل اصحابه اكثر ما كان مع ساقر وولى الباقي منهزمين وتسلم هاشم المحفة وما حولها وأتوا بذلك.