فقال لهم: اعلم ذلك ولكنكم في أول بلاد العدو وما ينبغي أن أقعد عنكم ففرحوا بذلك وتأهبوا للقاء العدو وكانوا كل يوم يخرجون الطلائع يتجسسون الاخبار فلما كان في بعض الايام خرج الفضل ابن العباس بن عبد المطلب وأخوه عبد الله بن العباس وجعفر بن عقيل وأخواه علي ومسلم وعبد الله بن الزبير وسليمان بن خالد بن الوليد ومحمد بن فرحة بن عبد الله وعبد الله بن المقداد وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمر بن سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وزياد بن المغيرة بن شعبة وتبعهم من السادات نحو أربعمائة سيد من أولاد الصحابة والأمراء أصحاب الرايات وألف وستمائة من أخلاط العرب من المهاجرين والانصار ولبسوا دروعهم وتقلدوا بسيوفهم واعتقلوا برماحهم وتنكبوا بحجفهم وساروا إلى قريب من دير هناك بسفح الحبل يعرف بدير المسيح يكشفون الاخبار فبينما هم كذلك إذا بغبار طلع إلى عنان السماء وانعقد فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: هذا غبار وحش وقال بعضهم لو كان كذلك لكان تقطع قطعا وتفرق فرقا وإنما هذا عسكر جرار وإن الخيل إذا داست بحوافرها ارتفع الغبار.
قال الواقدي: حدثنا أبو الزناد عن عبد الله عن أبي مالك الخولاني عن طارق بن شهاب الجرهمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن نتحدث مع الفضل وإذا بالغبار قد قرب منا وانكشف عن عشرة آلاف فارس ومعهم الأعلام والصلبان فلما رأونا رطنوا بلغتهم ثم لم يمهلوا دون أن حملوا.
قال الراوي: وكان ضرار بن الأزور قد انفرد ومعه مائتان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل النجدة وساروا في طريق الجبل على غير الجادة فبينما هم يسيرون إذا بالغبار قد ثار وانكشف عمن ذكرنا فلما عاينوهم أيقنوا بالهلاك فعندها وثب ضرار رضي الله عنه وقال: لا فرار من الموت فلم يمهلوهم دون أن داروا عليهم فرأوا أن لا بد لهم من القتال والتقت الرجال بالرجال وصبروا صبر الكرام وأحاطت بهم الروم اللئام من كل جانب ومكان فلله در ضرار لقد قاتل قتالا شديدا فلم يكن غير ساعة حتى قتل من جماعة ضرار جماعة وكبابه جواده فأسروه وأسروا جماعة من أصحابه وكان الذي قاتلهم رأس البطارقة صاحب ببا الكبرى فأوثقوا ضرارا وأصحابه كتافا وربطوهم على ظهور خيولهم وأرسلوهم إلى العسكر وانفلت من القوم مولى من موالي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق يقال له سالم: فسار يجد في مسيره حتى قدم على خالد وعمرو فعند ذلك وثب المسيب بن نجيبة الفزاري ورافع بن عميرة الطائي وأخذا معهما ألفا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار ومعهما رجل من أسلم من الجيزة يدلهم على طريق غير الجادة وكمنوا هناك عند الدير وقد سبقوا البطريق الذي أسر ضرار