وخلع عليهم ورفع لهم الأعلام والصلبان وعرض عليه فإذا هم ألفاً غير السوقة والمشاة فسر بذلك سروراً عظيماً. ثم استدعى ببطريق من بطارقتته يدعى قابيل وكان لا يقطع أمرا دونه فخلع عليه ودفع له الثمانين ألفا وأمره بملاقاة العرب ثم استشار خواص مملكته في الاقامة في البلد أو الخروج إلى ظاهرها فقال له ذوو الرأي من بطارقته: أيها الملك إنك إذا أقمت في البلد استضعفوا رأينا وأمرنا وإذا كنت بجانب المدينة لا تجد العرب أن تصل الينا ونجعل البلد خلف ظهرنا ونقاتل من خارج الأبواب ويساعدنا من فوق الابراج فإذا عظم الامر فلا ندخل المدينة إلا من أمر عظيم فاستصوب رأيهم ثم إنه أمر الفراشين أن يخرجوا الخيام والسرادقات والقباب بظاهر المدينة وأخرجوا له سرادقا عظيما سعته سبعون ذراعا وارتفاعه مثل ذلك على أعمدة من الخشب المصفح بالذهب والفضة وهو من الحرير الملون الازرق والأحمر والاخضر والابيض والاصفر والاسود ومقضب بقضبان الذهب والفضة مرصع باللؤلؤ وفيه تصاوير من داخله ومن خارجه من جميع أجناس الطير والوحوش والكواكب وفرش فيه من الفرش وبسط الحرير الملون ووضع فيه المساند والوسائد والانطاع وأطناب السرادقات حرير ملون بأوتاد من عاج وآبنوس في حلق من ذهب وفضة وعلق فيه قناديل وسلاسل من ذهب وفضة ووضع فيه سريرا من خشب الساج المنقوش المصفح بالذهب الوهاج على قوائم بزمامين من ذهب وفضة طوله سبعة أذرع وعرضه مثل ذلك وارتفاعه مثل ذلك يصعد إليه بدرج من خشب مصفح بصفائح من ذهب وفضة وعليه فرش من حرير ووسائد ومساند ونمارق وحوله ثمانين كرسيا مصفحة بالخشب الآبنوس يجلس عليها أرباب الدولة وأصحاب الصولة وضرب حوله من الخيام والسرادقات ما لا يوصف له عد.
قال الراوي: حدثنا جماعة من الصحابة ممن شهد الفتح وعاين السرادقات أنه لما هرب الملعون ودخل المدينة وكان السرادق منصوبا مقابل الباب البحري المعروف بباب قندوس أمر بطريقا من بطارقته أسمه سمعان أن ينصب سرادقه الذي وهبه له عند باب توما وهو الباب القبلي وأمر بطريقا اسمه اصطافين أن ينزل في الجانب الشرقي قريبا من القناطر على ساباط معقود على أعمدة من الحجارة فأمره أن ينزل ومعه عشرة آلاف فارس حول القلعة قال هبار بن أبي سفيان أو سلمة بن هاشم المخزومي ما نزلنا على مدينة من مدائن الشام ولا رأينا أكثر عددا ولا أكثر زينة من مدينة البهنسا ولا أقوى قلوبا منهم وأكثروا من الصلبان ونصبوا السرادقات والمنجنيقات على الاسوار وأسبلوا على الاسوار جلود الفيلة المصفحة بصفائح الفولاذ ورتبوا الرماة والمجانيق والسهام وغير ذلك.