القوي ومددتم أيديكم إلى أموال الرعية وفشت فيكم المعاصي فتغيرت قلوب الرعية ومدوا ايديهم بالدعاء عليكم ودعاء المظلوم مستجاب وكثرة الظلم خراب فيوشك أن تنزع هذه النعمة من أيديكم وتعود إلى غيركم بكثرة ذنوبكم وشؤم معاصيكم وبدعاء المظلومين عليكم فلأجل ذلك سلطت عليكم العرب فملكوا بلادكم وقتلوا رجالكم ونهبوا أموالكم وسكنوا منازلكم واستولوا على معاقلكم فتيقظوا من غفلتكم وذبوا عن حريمكم وأموالكم ولا تمكنوا العرب من جانبكم وهذه مقالتي لكم جميعا فلما سمع البطليوس لعنه الله كلام القس وما تكلم به التفت إلى بطارقته وجماعته ونوابه وقال هل سمعتم ما قال أبوكم.
قالوا: سمعنا قال فما عندكم من الرأي قالوا: نحن معك وبين يديك ونقاتل العرب ولا نطمعهم فينا كما طمعوا في غيرنا وإن غلبونا استعددنا للحصار وعندنا من الميرة والعلوفة ما يكفينا عشر سنين وأزيد وبلدنا حصين ولا نسلم أنفسنا وإلا يكون علينا عارا عند الملوك قال فشكرهم البطليوس على ذلك ووثب قس اخر وكان يناظر ذلك القس في المعرفة واستخرج كتابا معلقا كان عنده في صندوق من الآبنوس مقفل باقفال من الفولاذ وقال: يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية اسمعوا ما نعته لكم العلماء والكهان والحكماء أنه يبعث نبي في آخر الزمان يسمى محمد بن عبد الله من بني عدنان يموت ابوه وأمه ويكفله جده وعمه يبعثه الله نبيا إلى جميع البشر مولده بمكة ودار هجرته طيبة ثم يقيم اعواما ويتوفاه الله تعالى ثم يتولى الأمر من بعده رجل يسمى أبا بكر وتزداد العرب به فخرا ويجهز العساكر إلى الشام ثم لم يلبث إلا أياما قلائل ويتوفاه الله تعالى ويتولى الامر من بعده الرجل الاصلع الاحور المسمى بعمر وهو صاحب الفتوح ومصبح الاعداء بأشأم صبوح تفتح على يديه الامصار وبيعث سراياه إلى سائر الاقطار وانا نجد في الكتب القديمة أن هذه المدينة تفتح على يد رجل أسمر شجاع غضنفر فارس شديد وبطل صنديد يسمى خالد بن الوليد فإن سمعتم قولي وقبلتم فاعقدوا مع العرب صلحا فإن الدولة لهم ودينهم الحق ولو قاتلهم أهل المشرق والمغرب غلبوهم ببركة الله وببركة نبيهم محمد.
قال فلما سمع البطارقة كلامه غضبوا غضبا شديدا وأرادوا قتله فمنعهم البطليوس من ذلك وقال له: كأنك خفت من سيوف العرب وأنا أعلم أن الرهبان والقسوس لا قلوب لهم لانهم ليس لهم أكل إلا العدس والزيت والليمون والاشياء الرديئة ولا يعرفون اللحم فلأجل ذلك ضعفت قلوبهم فلولا مقامك من قديم الزمان ورؤيتك للملوك القدماء لبطشت بك ولئن عدت إلى مقالتك هذه لأقتلنك شر قتلة قال فسكت القس الراهب وخرج البطليوس من وقته وساعته وجلس في قصره ذي الاعمدة ثم استدعى ببطارقته وخلع عليهم ورفع لهم الاعلام والصلبان وعرض عليه جيشه فإذا هم ثمانون ألفا غير السوقة المشاة فسر بذلك سرورا عظيما ثم استدعى ببطريق من بطارقته