قال هذا ما جاء لهؤلاء وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم نزلوا في سفح الجبل والوادي في المكان المتسع من الجهة البحرية والجهة الغربية فلما جاء الليل أوقدوا نيرانهم واجتمعت كل قبيلة ببني عمها يقرءون القرآن ويصلون على محمد أشرف ولد عدنان وما فيهم إلا من هو راكع أو ساجد أو داع لله عز وجل لعله أن ينصرهم على عدوهم وباتت الروم اللئام يشربون الخمر داخل المدينة وخارجها وقد أعلنوا بكلمة كفرهم حتى ضجت منهم أرض البهنسا واستغاثت إلى الله عز وجل فناداها بلسان القدرة اسكتي يا بهنسا فوعزتي وجلالي لاهلكنهم ولاسكننك قوما يوحدوني من خيار خلقي ولاجعلن تلك البيع مساجد للصلاة والجمع فلما سمعت الأرض الخطاب من قبل رب الارباب مالت فرحا واهتزت طربا وبقيت منتظرة وعد ربها بزوال كربها فلما يكن إلا قليل حتى أزال الله عنها أهل الكفر والطغيان وعبدة الصلبان وأسكنها خير أمة أخيار من المهاجرين والانصار من أصحاب محمد المختار يصلون بها آناء الليل وأطراف النهار وجعلت البرية مدافن للسادات الشهداء الاطهار وصار عليها بعد الظلام أنوار وصارت زيارتها تحط الخطايا والاوزار.
قال الواقدي: ولما أصبح الصباح صلى المسلمون صلاة الصبح وجلسوا ينتظرون ما يكون من أمر الروم وإذا بقس قد أقبل راكبا بغلة وعليه مدرعة من شعر وقلنسوة وزنار فسار حتى وصل قريبا من العسكر ثم تكلم بلسان عربي وقال: يا مسلمين أريد أمير العرب.
قال الراوي: حدثنا قيس بن شماس عن كعب بن همام عن شداد بن أوس وكان من أصحاب الرايات قال بينما نحن جلوس نتحدث مع الأمير عياض بن غانم إذ أقبل عبد الله بن عاصم وأخبر عن ذلك القس قال فأذن له الأمير عياض بالدخول فدخل القس فوجد الأمير عياضا جالسا في خيمته على فراش من أدم وحشوه من ليف وفرش المشركين التي اكتسبوها مطوية على جانب وحوله السادات والأمراء رضي الله عنه كلهم جلوس حوله وهو كأنه أحدهم وسيوفهم على أفخاذهم وعليهم هيبة ووقار فلما دخل القس اندهش وحار وأخذه الانبهار ثم التفت يمينا وشمالا وقال: يا قوم أيكم الأمير حتى أكلمه فإنكم كلكم أراكم سادات وأمراء وعليكم هيبة ووقار فأشاروا إلى الأمير عياض فالتفت إليه وقال: يا فتى أنت أمير قومك قال كذلك يزعمون ما دمت على طاعة الله عز وجل فقال له القس: أن الملك البطليوس قد أرسلني اليكم يريد ذا الرأي والخبرة ليسأله عن أمركم فلعل أن يكون ذلك سبب حقن الدماء بينكم وبينه قال فعندها التفت الأمير عياض إلى أصحابه وقال: ما تقولون فيما أتاكم به هذا القس ومن ينطلق إليه ويخاطبه ويعود الينا قال فوثب المغيرة بن شعبة وقال أنا أمضي إليه وأريد