معي عشرة رجال من الأمراء ذوي المروءة والباس فقال له الأمير: اختر من شئت وفقك الله وسددك وردك الينا سالما غانما أنت ومن معك قال فالتفت وراءه وقال: أين سعيد بن عبد القادر اين أبو أيوب الانصاري أين خالد بن زيد الانصاري أين زيد اين ثابت الانصاري أين مسعود البدري أين جرير بن مطعم أين أبو يزيد العقيلي أين معاوية بن العكم الثقفي أين عمار بن حصين أين زيد بن أرقم فأجابوه بالتلبية فقال لهم: خذوا أهبتكم وانطلقوا معي على بركة الله وعونه قال فتبادر هؤلاء الأمراء السادات إلى خيامهم ولبس كل واحد درعه وتنكبوا بحجفهم وتقلدوا بسيوفهم واعتقلوا برماحهم.
قال الواقدي: ثم أن المغيرة رضي الله عنه دخل إلى خيمته ولبس درعه وشد وسطه بمنطقته وهي من الادم وفيها خنجران واحد عن اليمين وواحد عن الشمال وتقلد بسيف من جوهر واعتقل برمح أسمر وركب جواده الادهم وأخذ كل واحد منهم عبده راكبا على بغلة وودعهم فالتفت الأمير عياض وقال للمغيرة اعرف يا أبا شعبة ما تكلم به هذا الملعون فما عرفتك إلا مفلح الحجة فادعه إلى الإسلام وما فرض عليه من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وما أبيح من الحلال وما حرم من الحرام فإن أبى فالجزية في كل عام فإن أبي فالقتال بحد الحسام ونرجو النصر من الملك الديان بجاه محمد خير الانام قال فقال المغيرة أرجو من الله الملك الوهاب المعونة في رد الجواب وسارت الأمراء والقس أمامهم راكب على بغلة وعبيدهم خلفهم على بغالهم وكل عبد عليه لامة حربه وساروا وهم معلنون بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير قال زياد بن ثابت ولما فارق القوم الأمير عياضا نظرت إليه وعيناه تذرفان بالدموع حتى بلت دموعه لحيته وهو يقرأ القرآن فقلت أنا أيها الأمير ما هذا البكاء فقال لي: يا ابن ثابت هؤلاء والله أنصار الدين فإن أصيب رجل منهم فما يكون عذري عند الله عز وجل قال: وسار المغيرة وأصحابه حتى أشرفوا على عسكر العدو وإذا هو ملء الأرض وهو نازل حول مدينة البهنسا فصاح المغيرة ومن معه يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم كذلك إذ أقبل إليهم بطريق ومعه رجل من العرب المتنصرة راكب إلى جانبه ومعهما نحو مائة ألف فارس وساروا بين أيديهم حتى وصلوا إلى قريب سرادق الملك ولاح البطليوس وهو جالس على السرير فعند ذلك خرج لهم الحجاب والنواب وأرباب الدولة والصولة وقالوا: قد وصلتم وبلغتم إلى سرادق الملك فانزلوا عن خيولكم وانزعوا سيوفكم فقال المغيرة أما خيولنا فننزل عنها وأما سيوفنا فلا ننزعها فإنها عزنا وما كنا بالذي ينزع عزه الذي يعتز به دهره قال فاخبر الحجاب الملك بذلك فقال دعوهم يدخلون بسيوفهم فنادتهم الحجاب ادخلوا.