للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواقدي: فعندها ترجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيولهم وأمسكوها لعبيدهم وأقبلوا يتبخترون في مشيهم ويجرون حمائل سيوفهم ويخترقون صفوف الكفار وهم لا يهابونهم إلى أن وصلوا إلى سرير الملك فدخلوا إلى أن وصلوا إلى النمارق والفرش والديباج والملك جالس على سريره ولما نظر المسلمون إلى ذلك عظموا الله تعالى وكبروه فارتج السرادق وتغيرت ألوان القوم وصاح بهم الحجاب قبلوا الأرض للملك فلم يلتفتوا إليهم قال المغيرة لا ينبغي السجود إلا للملك المعبود ولعمري كانت هذه تحيتنا قبل فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك فلا يسجد بعضنا لبعض قال فسكتوا قال فأمر الملك بكراسي من ذهب وفضة فنصبت لهم فلم يجلسوا عليها وكانوا من حين دخلوا أمروا بعض عبيدهم أن يطووا البسط من تحت أرجلهم إلى أن وصلوا إلى فرش الديباج فشالوها على جنب فقالت لهم البطارقة قد أسأتم الادب معنا إذ لم تسجدوا للملك ولم تمشوا على فرشنا فقال المغيرة أن الادب مع الله تعالى أفضل من الادب معكم والأرض أطهر من فرشكم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وقال الله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:٥٥] .

قال الواقدي: لم يكن بين البطليوس والصحابة ترجمان لانه كان أعرف أهل زمانه بلسان العربية فعند ذلك أمرهم بالجلوس فقال المغيرة اما أن تنزل عن سريرك وتكون معنا على الأرض أو تأذن لنا بالجلوس معك على السرير لأن الله تعالى شرفنا بالإسلام قال فأشار لهم بالجلوس معه على السرير بعد أن أزالوا تلك الفرش وجلس المغيرة إلى جانبه فالتفت البطليوس لعنه الله إليهم وقال لهم: أيكم المتكلم عن أصحابه فأشاروا إلى المغيرة رضي الله عنهم والصحابة جلوس وأيديهم على مقابض سيوفهم فالتفت البطليوس إلى المغيرة وقال له: ما اسمك فقال عبد الله المغيرة فقال: يا مغيرة إني اكره أن أبدأك بالكلام فقال المغيرة تكلم بما شئت فإن عندي لكل كلام جوابا.

ثم أن البطليوس أفصح في كلامه وقال الحمد لله الذي جعل سيدنا المسيح أفضل الأنبياء وملكنا أفضل الملوك ونحن خير سادة فقطع عليه المغيرة فقالت الحجاب والنواب لقد أسأت الادب مع الملك يا أخا العرب فابي المغيرة أن يسكت وقال الحمدلله الذي هدانا للإسلام وخصنا من بين الامم بمبعث محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فهدانا به من الضلالة وأنقذنا به من الجهالة وهدانا إلى الصراط المستقيم فنحن خير أمة أخرجت للناس نؤمن بنبينا ونبيكم وبجميع الانبياء وجعل أميرنا الذي هو متولي علينا كاحدنا لو زعم أنه ملك وجار عزلناه عنا فلسنا نرى له فضلا علينا إلا بالتقوى وقد جعلنا الله نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونقر بالذنب ونستغفر منه

<<  <  ج: ص:  >  >>