للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى الأمراء ما حل بهم وبأولادهم بكوا وقالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال الراوي: وقتل من المشركين نحو ألفين وخمسمائة وقتل من خيارهم وعظمائهم نحو عشرين من أرباب الدولة وحاشية الملك أصحاب السرير فلما رأى البطليوس ذلك صعب عليه وكبر لديه وجلس في سرادقه وحوله أكابر دولته من حجابه ونوابه وقدم له الطعام والشراب فامتنع عن ذلك ثم التفت إلى حجابه وبطارقته ووبخهم توبيخا عظيما وقال مثلكم لا يصلح لخدمة الملوك فما هذا الخوف والفشل الذي دخل في قلوبكم وتريدون أن تصيروا معرة عند الملوك بفعالكم هذه فقالوا: أيها الملك أن هذا اليوم ما أخذنا فيه أهبتنا وما كنا نظن أن العرب فيهم هذه الشجاعة فقال: وما عندكم من الرأي أترضون بالعار والذل ولا سيما وقد أخذ الصليب من أيديكم وخذلتموه فقالوا: أيها الملك سوف ترى منا ما يسرك في غد نكمن لهم كمينا ونخرج لهم ونقاتلهم ويخرج عليهم الكمين ونأمر جماعة يسلسلون أنفسهم وهم الرماة كعادة الروم أن يفعلوا ونقاتلهم ولا نمكنهم من مدينتنا ولو قتلنا عن آخرنا فاستوثق الملك منهم بقولهم ثم كتب كتابا وارسله تحت الليل إلى بطريقي طنجة وقلعة الابراج يسألهم النجدة وكانوا بطارقة شدادا كل بطريق تحت يده عشرة آلاف بطريق من حملة السلاح فلما ورد عليهم الكتاب جهزوا النجدة والاهبة وسيأتي كر ذلك أن شاء الله تعالى.

قال الراوي: وأصبح المسلمون فصلوا صلاة الصبح وتبادروا إلى خيولهم فركبوها ثم صفو صفوفهم ورتبوا مواقفهم كما ذكرنا أولا وصار الأمير عياض يحرض الناس وقد جعل في مكانه المغيرة بن شعبة وعطفوا على أصحاب الرايات وقال لهم: أطلقوا الاعنة وقوموا الاسنة وإذا لقيتم العدو فاحملوا حملة واحدة ولا تخافوا ولا ترهبوا وركب الأمراء كاليوم الاول ولم يركبوا حتى دفنوا شهداءهم في ثيابهم ودمائهم قال فما شعرنا إلا والروم قد أقبلوا علينا ورطنوا بلغتهم علينا وابتدر منهم خمسة آلاف فنزلوا عن خيولهم وأرسلوها مع غلمانهم وحفروا لهم حفائر إلى أوساطهم ووضعوا غرائر النشاب أي الصناديق بين أيديهم وأقسموا بالمسيح لا يزولون ولو قتلوا عن آخرهم وكانوا ثلاثة صفوف.

قال الراوي: حدثنا سنان بن أبي عبيدة عن زياد عن الحرث عن عبد يغوث وكان من أصحاب الرايات قال بينما نحن نتأهب للحرب وللحملة إذا بالروم قد حملوا علينا حملة واحدة وحملت ميمنتنا واختلط القلب بالقلب ورمت المسلسلة بنشابها فكان يخرج منهم عشرة آلاف سهم كأنها تخرج من كبد قوس واحدة كالجراد المنتشر أو السيل المنحدر فجرحت رجالا وقتلت أبطالا وولت خيل العرب نافرة وصبرت جماعة من

<<  <  ج: ص:  >  >>