عند جميع الناس وبعث خالد كتاب أبي بكر إلى كل باب فقرىء على الناس متأهين وبات الناس متأهبين للحرب يتحارسون إلى الصباح وضرار يطوف حولهم ولا يقف في مكان واحد مخافة أن يكبس بهم العدو.
قال الواقدي: ولقد بلغني أن أهل دمشق اجتمعوا إلى كبارهم من البلد وتشاوروا فيما بينهم فقال بعضهم ما لنا إلا الصلح ونعطي العرب جميع ما طلبوه منا وقال اخرون ما نحن بأكثر من جموع اجنادين فقال لهم بطريق من الروم: اطلبوا لنا صهر الملك توما نتشاور في هذا الأمر لنسمع ما يقول: ونطلب منه أن يكشف عنا ما نحن فيه فاما أن يصالحهم واما أن يحامي عنا قال فمضى القوم إلى توما وعليه رجال موكلون بالسلاح فقالوا: لهم ما الذي تريدون فقالوا: نريد صهر الملك توما نشاوره في هذا الأمر قال فأذنوا لهم فدخلوا عليه وقبلوا الأرض بين يديه فقال لهم: ما الذي تريدون فقالوا: أيها السيد انظر ما نزل ببلادنا وقد جاءنا ما لا طاقة لنا به فاما أن نصالح العرب على ما طلبوا واما أن نرسل إلى الملك فينجدنا أو يمانع عنا فقد أشرفنا على الهلاك فلما سمع ذلك منهم تبسم ضاحكا وقال: يا ويلكم أطمعتم العرب فيكم وحق راس الملك ما أرى القوم أهلا للقتال ولا هم خاطرون لي على بال فلو فتح لهم الباب ما جسروا أن يدخلوا فقالوا: أيها السيد أن أكبرهم وأصغرهم يقاتل العشرة والمائة وصاحبهم داهية لا تطاق فإن كان ولا بد فاخرج بنا لقتالهم فقال لهم توما: إنكم أكثر منهم ومدينتنا حصينة ولكم مثل هذا العدد والسلاح وأما القوم فهم حفاة عراة فقالوا له: أيها السيد أن معهم من عددنا واسلحتنا كثيرا مما أخذوه من واقعة فلسطين ومما أخذوه من بصرى ومن يوم لقائهم بكلوس وعزازير ومما أخذوه من أجنادين وأيضا أن نبيهم قال لهم: أن من قتل منا صار إلى الجنة فلاجل ذلك يبقون عراة الأجساد ليصلوا إلى ما قال لهم: نبيهم قال فضحك من قولهم وقال لهم: لاجل ذلك أطمعتم العرب فينا ولو صدقتم في الحرب والصدام لقتلتموهم لانكم اضعافهم مرارا.
فقالوا: أيها السيد اكفنا مؤونتهم كيف شئت واعلم إنك أن لم تمنعهم عنا فتحنا لهم الأبواب وصالحناهم فلما سمع توما كلامهم فكر طويلا وخشي أن تفعل القوم ذلك فقال أنا أصرف عنكم هؤلاء العرب واقتل اميرهم وأريد منكم أن تقاتلوا معي قالوا: نحن معك وبين يديك نقاتل حتى نهلك عن أخرنا فقال لهم: باكروا القوم بالقتال فانصرفوا عنه وهم له شاكرون ولامره منتظرون وباتوا بقية ليلتهم على الحصن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضعهم ولهم ضجة بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وخالد بن الوليد عند الدير ومعه النساء والعيال والأموال والغنائم التي غنموها من أعدائهم ورافع بن عميرة على الباب الشرقي في عسكر الزحف وغيرهم ولم يزل الناس.