شرحبيل بن حسنة وشكروا فعله وكانت ليلة مقمرة ولم يلق مثلها الناس فقتلوا في تلك الليلة ألوفا من الروم قال فاجتمع كبار أهل دمشق إلى توما وقالوا له: أيها السيد أنا قد نصحناك فلم تسمع لقولنا وقد قتل منا أكثر الناس وهذا أمير لا يطاق يعني خالد بن الوليد فصالح فهو أصلح لك ولنا وأن لم تصالح صالحنا وأنت وشأنك فقال: يا قوم أمهلوني حتى أكتب إلى الملك واعلمه بما نزل بنا فكتب من وقته وساعته كتابا يقول فيه: إلى الملك الرحيم من صهرك توما أما بعد فإن العرب محدقون بنا كاحداق البياض بسواد العين وقد قتلوا أهل اجنادين ورجعوا إلينا وقد قتلوا منا مقتلة عظيمة وقد خرجت إليهم وأصيبت عيني وقد عزمت على الصلح ودفع الجزية للعرب فاما أن تسير بنفسك واما أن ترسل لنا عسكرا تنجدنا بهم واما أن تأمرنا بالصلح مع القوم فقد تزايد الأمر علينا ثم طوى الكتاب وختمه وبعث به قبل الصباح.
فلما أصبح الصباح باكرهم المسلمون بالقتال وبعث خالد لكل أمير أن يزحف من مكانه فركب أبو عبيدة ووقع القتال واشتد الأمر على أهل دمشق فبعثوا لخالد أن أمهلنا فأبى إلا القتال ولم يزل كذلك إلى أن ضاق بهم الحصار وهم ينتظرون أمر الملك واجتمع أهل البلد وقالوا: لبعضهم ما لنا صبر على ما نحن فيه من الأمر وأن هؤلاء أن قاتلناهم نصروا علينا وأن تركناهم أضر بنا الحصار فاطلبوا من القوم صلحا على ما طلبوه منكم فقال لهم شيخ كبير من الروم وقد قرأ الكتب السالفة: يا قوم والله إني أعلم إنه لو أتى الملك في جيشه جميعا لما منعوا عنكم هؤلاء لما قرأت في الكتاب أن صاحبهم محمدا خاتم المرسلين سيظهر دينه على كل دين فأطيعوا القوم وأعطوهم ما طلبوا منكم فهو وافق لكم فلما سمع القوم مقالات الشيخ ركنوا إليه لما يعلمون من علمه ومعرفته بالاخبار والملاحم فقالوا: كيف الرأي عندك فنحن نعلم أن هذا الأمير الذي على باب شرقي رجل سفاك للدماء فقال لهم: أن أردتم تقارب الأمر فامضوا إلى الذي على باب الجابية وليتكلم رجل يعرف بالعربية ويقول بصوت رفيع: يا معاشر العرب الأمان حتى ننزل إليكم ونتكلم مع صاحبكم قال أبو هريرة رضي الله عنه وكان أبو عبيدة قد انفذ رجالا من المسلمين مكثرا بالقرب من الباب مخافة الكبسة مثل الليلة التي خلت وكانت النوبة تلك الليلة لبني دوس والأمير عليها عامر بن الطفيل الدوسي قال فبينما نحن جلوس في مواضعنا من الباب إذ سمعنا اصوات القوم وهم ينادون قال أبو هريرة فلما سمعت بادرت إلى أبي عبيدة قال وبشرته بذلك فاستبشر وقال أمض وكلم القوم وقل لهم لكم الأمان قال فأتيت القوم وبشرتهم بالأمان فقالوا: من أنت.
فقلت: أنا أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أن عبيدا أعطوكم الأمان والذمام ونحن في الجاهلية لما غدرنا فكيف وقد هدانا الله إلى دين الإسلام قال فنزل القوم.