للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتعاقبة إلى كائن حيواني، ثم كيف انتقل إلى ذلك الإنسان العاقل المدرك الواعي عنده من المؤهلات والاستعدادات ما يجعله يتبوأ عمارة هذه الأرض ومسؤولية بنائها.

ولتبين: أن ذاك التعريف بخلق الإنسان إنما جاء دليلاً على قدرة الله وعلمه وحكمته وعندئذ يكون التعريف بتلك المراحل إنما هو تعريف بالله وبصفاته اعتماداً على التعريف بأحد مخلوقاته المعتبرة اعتباراً أولياً.

فليتأمل الإنسان خلقه، أليس مخلوقاً من قطرة ماء؟ من كونها لحوماً منضدة وعظاماً مركبة وأوصالاً متعددة مشدودة بالعروق والأعصاب مجمعة بجلد متين مشتمل على ثلاثمائة وستين مفصلاً ما بين كبير وصغير؟

من جعل فيها تسعة أبواب فبابان للسمع وبابان للبصر وبابان للشم وباب للكلام والطعام والشراب والتنفس وبابان لخروج الفضلات التي يؤذيه احتباسها؟

من جعل داخل بابي البصر ملحاً لئلا تذيب الحرارة الشحم الذي فيه؟

ومن جعل داخل باب الطعام والشراب حلواً ليسيغ ما يأكله ويشربه فلا يتنغص به لو كان مراً أو ملحاً؟

من جعل له مصباحين كالسراج المضيء في أعلى مكان في أشرف عضو طليعة له؟ ١.

فخلق الإنسان من الآيات العظيمة الدالة على ربوبية الله تعالى لهذا الكون وما فيه من ألوان المخلوقات وقد حث الله عباده على أن يتفكروا في أنفسهم ليستدلوا بذلك على معرفة الله وأنه المعبود بحق دون سواه.

قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} ٢.

وقال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} ٣


١- التبيان في أقسام القرآن ص٣٠٤.
٢- سورة الطارق آية: ٥ ـ ٨.
٣- سورة الذاريات آية: ٢١.

<<  <   >  >>