للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال قتادة: "من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة"١.

وقال ابن جرير الطبري: "وفي أنفسكم أيضاً: أيها الناس آيات وعبر تدلكم على وحدانية صانعكم، وأنه لا إله لكم سواه إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم"٢.

٦ـ الاستدلال بخلق الأزواج الثمانية من الأنعام على ربوبيته تعالى:

من الأدلة التي أشارت إليها السورة على ربوبية الخالق ـ سبحانه ـ خلقه تعالى الأزواج الثمانية من الأنعام وهي الإبل، والبقر، والضأن والمعز٣ فهذه الأصناف تعتبر أكثر الحيوانات نفعاً لبني الإنسان فقد خلقها ـ تعالى ـ لهم فضلاً منه وكرماً، وقد جاءت الإشارة إليها في السورة بقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} وقد يقال هنا: كيف عبر عن الأنعام بالإنزال مع أنها مخلوقة على الأرض، فيجاب عليه بأن الإنزال في كل شيء بحسبه.

قال شارح الطحاوية: أثناء رده على القائلين بأن إنزال القرآن إنما هو نظير إنزال المطر أو إنزاله الحديد، وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام. قال رحمه الله: "وإنزال الحديد والأنعام مطلق، فكيف يشبه هذا الإنزال بهذا الإنزال؟ فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال، وهي عالية على الأرض، وقد قيل إنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود، والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث، ولهذا يقال: أنزل ولم يقل نزّل، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض، ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء، وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى أسفل. وعلى هذا فيحتمل قوله {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ} وجهين:

أحدهما: أن تكون "من" لبيان الجنس.

الثاني: أن تكون "من" لابتداء الغاية". أ. هـ٤


١- تفسير القرآن العظيم ٦/٤١٩.
٢- جامع البيان ٢٦/٢٠٥.
٣- جامع البيان ٢٣/١٩٤، الجامع لأحكام القرآن ١٥/٢٣٥.
٤- شرح الطحاوية ص١٩٦.

<<  <   >  >>