للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن كثير {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي: وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج وهي المذكورة في سورة الأنعام {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الإبل اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} أ. هـ١.

أما القرطبي: فقد ذكر ثلاثة أقوال لمعنى إنزال الثمانية الأزواج:

أحدها: أنه أخبر عن الأنعام بالنزول لأنها تكونت بالنبات، والنبات بالماء المنزل وهذا يسمى التدريج.

الثاني: أنه جعل الخلق إنزالاً لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء والمعنى خلق لكم كذا بأمره النازل.

الثالث: أن "أنزل" بمعنى أنشأ ـ وجعل ـ وقال سعيد بن جبير٢ "خلق" أ. هـ٣.

وقد بين تعالى أن في خلقه الأنعام عبرة لأولي النهى من عباده.

قال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} ٤.

والعبرة في الأصل: تمثيل الشيء بالشيء ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة ومنه قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} ٥. وقال أبو بكر الوراق: العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم. والظاهر أن العبرة هي قوله {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} الآية٦ فخلق الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم والمعز آية من آيات الله الدالة على حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه سبحانه وتعالى وعلى أنه المعبود بحق دون سواه.


١- تفسير ابن كثير ٦/٨٠.
٢- هو: سعيد بن جبير الأسدي، بالولاء الكوفي أبو عبد الله: تابعي، كان أعلمهم على الإطلاق وهو حبشي الأصل من موالي بني والبة بن الحارث من بني أسد أخذ العلم عن عبد الله بن عباس. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان ١/٢٠٤ تهذيب التهذيب ٤/١١، حلية الأولياء ٤/٢٧٢".
٣- الجامع لأحكام القرآن ١٥/٢٣٥.
٤- سورة النحل آية: ٦٦.
٥- سورة الحشر آية: ٢.
٦- فتح القدير ج٣ ص١٧٤.

<<  <   >  >>