للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأول ما أرشد تعالى في هذه الآيات إلى النظر في الإبل فإنها خلق عجيب وتركيب غريب، فإنها في غاية القوة والشدة وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف ويؤكل لحمها وينتفع بوبرها ويشرب لبنها ونبه الله خلقه إلى ذلك لأن العرب كان غالب دوابهم الإبل وكان القاضي شريح١ يقول: أخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت؟ وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ... ؟ فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه والسماء التي فوق رأسه والجبل الذي تجاهه والأرض التي تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه وأنه الرب العظيم الخالق الملك المتصرف وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه٢.

فلذلك كله يوجه الله عباده من خلال كتابه بأن يتدبروا ويعتبروا في خلقه للأنعام ويأخذوا العبرة منها التي ترشدهم إلى عجيب صنع الباري ويدل هذا الصنع على ألوهيته سبحانه وتعالى فاللبن الذي تدره لهم ضروع الأنعام الذي هو مستخلص من بين الفرث والدم والفرث هو ما يبقى في كرشها بعض الهضم وبعض أن تمتص الأمعاء العصارة المتحولة إلى دم، هذا الدم هو الذي يذهب إلى كل خلية في الجسم فإذا ما وصل إلى غدد اللبن الموجودة في الضرع تحول إلى ذلك اللبن الخالص السائغ للشاربين ببديع صنع الله الذي أتقن كل شيء.

{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} ٣.


١- هو: شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي أبو أمية، من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، أصله من اليمن ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية واستعفى في أيام الحجاج فأعفاه سنة سبع وسبعين هجرية، وكان ثقة في الحديث مأمون في القضاء، توفي سنة ثمان وسبعين هجرية. انظر ترجمته في تقريب التهذيب ١/٣٤٩، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص٢٧ رقم الترجمة ٤٢ وانظر تذكرة الحفاظ ١/٥٩ والأعلام للزركلي ٣/٢٣٦.
٢- تفسير القرآن العظيم ٧/٢٧٧.
٣- سورة النحل آية: ٦٦.

<<  <   >  >>