للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لقوله ـ تعالى ـ {فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ولولا البط في الدار لأتى اللصوص وقول الرجل لصاحبه لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلاناً هذا كله به شرك"١.

قال: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ تعالى ـ.

وأما الشرك الخفي فهو الذي لا يكاد أحد يسلم منه مثل أن يحب الرجل مع الله غيره فإن كانت محبته لله مثل حب النبيين والصالحين والأعمال الصالحة فليست من هذا الباب لأن هذه تدل على حقيقة المحبة لأن حقيقة المحبة أن يحب المحبوب وما أحبه، ويكره ما يكرهه، ومن صحت محبته.

امتنعت مخالفته لأن المخالفة إنما تقع لنقص المتابعة ويدل على نقص المحبة قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ٢ الآية فليس الكلام في هذا إنما الكلام في محبة تتعلق بالنفوس بغير الله ـ تعالى ـ فهذا لا شك أنه نقص في توحيد المحبة لله وهو دليل على نقض محبة الله ـ تعالى ـ إذ لو كملت محبته لم يحب سواه.... وكذا الخوف والرجاء، وما أشبه ذلك فإن كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئاً سواه ... وإذا نقص خوفه خاف من المخلوق وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف ... وكذا الرجاء وغيره فهذا هو الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ٣.

فشيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ يبين خطورة الشرك الخفي الذي لا ينجو منه إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ ولذلك خافه صلى الله عليه وسلم على الصحابة الذين هم أبر الأمة أعمالاً وأقواها إيماناً وأصحها إسلاماً، وأحسنها أخلاقاً وأصدقها أقوالاً كما تقدم من حديث أبي


١- تفسير ابن كثير ١/١٠١.
٢- سورة آل عمران آية: ٣١.
٣- مجموع الفتاوى ١/٩٣ ـ ٩٤.

<<  <   >  >>