أنَّ كثيرا ممَّا خرج في عصرنا من هذا التراث - على أنَّه محقَّق - يحتاج إلى وقفة تقويم وتصحيح، وإعادة نظر لِما يعتور جهود المحققين له من قصور واضح في الالتزام بالنَّهج الأمثل للتحقيق، ولا سيما في الآونة الأخيرة، حيث أسند الأمر إلى غير أهله - ولعلي منهم فأستغفر الله - وأعطيت القوس إلى غير باريها، وتجرَّأ على الخوض في مضمار السباق كلُّ مدَّع وجاهل بما يتطلَّبه المقام؛ من قدرة واستعداد وتمرُّس ودراية.
فينبغي قطع الطريق على عبث العابثين والجهلة المرتزقين، وأصحاب الادِّعاء الكاذب، لتتمّ الفائدة من نشر التراث على الوجه المطلوب، وتتوطَّد الثقة به، والاطمئنان إليه من قبل الباحثين والدَّارسين، ويكون قريب المنال منهم، وينبغي أن لا يذهب بنا الوهم إلى أنَّ القصد من تصوير الواقع هو الحدُّ من حركة نشر التراث، وتثبيط الهمم التوَّاقة لنشره، بل القصد من ذلك هو تقويم الواقع، والرُّقيِّ به إلى أسمى المراتب، تحقيقًا وتوثيقًا وصحَّةً، والحثّ على مواصلة المسيرة بخطًى ثابتة وبصيرة نيِّرة.
ولهذا أدعو مِن عَلى هذا المنبر العلمي كافَّة الطلبة والباحثين، والأساتذة الكبار المعلِّمين، أن يتوجَّهوا إلى هذا التراث بالتحقيق، وإخراجه للناس مصحَّحًا منقَّحًا، وأن لا يُتْخِموا المكتبة بكثير من البحوث التي نراها اليوم هزيلة سَمْجَة، لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأنَّ أصحابها كان همُّهم هو تسجيل موضوع ينالون به درجة علمية أكاديمية معيَّنة يجعلونها وسيلة للاسترزاق، بدل أن يختاروا موضوعات يسهمون بها في بناء صرح العلم الكبير.
وإنَّ ممَّا يثقل ميزان جهود علماء السلف في خدمة الحديث، ودفع ما يُتَوَهَّمُ فيه