هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤]، كما كانوا يعلمون أنّها المصدر الثاني الذي يقوم عليه بناء هذا الدين، فهي التي تبيّن القرآن، وتوضّح معانيه ومقاصده، وتتمّ أحكامه وتشريعاته {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: ٤٤]، ولا يفرّقون في الاحتجاج والعمل بين ما جاء في كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وما جاء في السنّة النبوية الثابتة.
وإذا كان للحديث النبوي هذه المنْزلة من الدِّين فلم يكن عجبًا أن يوجّه أهل العلم عنايتهم، ويصرفوا جهودهم، ويفنوا أعمارهم في خدمة هذا الحديث الشريف، حفظًا له، وتدوينًا لنصوصه، ودراسةً لأحوال رواته ونقلته، وبيانًا لفقهه وأحكامه، وتبيينًا لألفاظه ومعانيه، وتوضيحًا لناسخه ومنسوخه، وراجحه ومرجوحه، وصحيحه وضعيفه وموضوعه، وأسباب وروده، وعلله، ومعلوله، وغريبه، ومسلسله، ومدبّجه، ومؤتلفه، ومختلفه، ومصحّفه، ومقلوبه، ومدرجه، ومرسله ... إلى غير ذلك من فنون علوم الحديث ومجال البحث فيه.
إلاَّ أنَّ هذه الجهود بقي أكثرها مخطوطًا، حبيس المكتبات، لم تطله أيدي الباحثين، فتراث الأمَّة المخطوط جزء أصيل من كيانها ووجودها، وبإحيائه ونشره محققا تتسامى صُعُدا في مراقي المجد والحضارة، ونحن - المسلمون - نملك من التراث في مختلف صنوف المعرفة تركة ضخمة خلَّفها لنا آباؤنا وعلماؤنا الأوائل الذين ضربوا في كلّ فنّ وعلم بسهم وافر، ممّا لم نشهد له مثيلاً عند أمّة من الأمم والحقّ أنَّ ثمَّ حركة دائبة يا العصر الحاضر لإحياء هذا التراث، والكشف عن دفائنه، وقد خرج منه عدد كبير، على