للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفسده قليل النجاسة ما صحّ الاستنجاء بالماء لأحد.

والحجّة في هذا المذهب (سنة) (١) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ في صَبِّه على بَولِ الأعرابي ذَنُوبًا من ماء حين بال في المسجد عنده (٢)، وهو أصحُّ الأحاديث كلِّها المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الماء من جهة الإسناد والمعنى، وفيه دليل واضح (على أنَّ كلّ الماء من النجاسات) (٣) والحكم للماء لا للنجاسة، ولا مراعاة لمِا خالطه ومازجه إذا كان الماءُ غالبًا؛ لأنَّ هذا حُكم ما جعله اللهُ طَهورًا مُطهِّرًا لغيرِه، ومعلومٌ أنَّ البول (إذ) (٤) أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصَّبَ عليه قد مازج، ولكن لمَّا كان الماء غالبًا كان مُطهِّرًا للبول، وكان الحكم له ولم يكن للبول المستهلك فيه حكم لسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (ولا فَرقَ عندنا بين حُلول النجاسة على الماء وبين حُلولِه عليها) (٥)، ولم أَرَ للذين فَرَّقوا بينهما من الشَّافعيين حُجَّة يَعجَز الخَصمُ عن معارضتها؛ وليس شيءٌ من المائعات مجلُّ هذا المَحلَّ غيرُ الماء، فاعلمه.

والماء عندنا لا يُفسدُه إلاَّ ما غَلَب عليه من النجاسات المُحرّمات أو ظهر فيه منها، وهذا مذهب مالكِ بنِ أنس وأهلِ المدينة وأكثرِهم، وهي رواية المدنيِّين من


(١) في الأصل: "لسنة"، والصواب ما أثبتُ؛ لأن السنة هي الحجّة.
(٢) أخرجه البخاري في [الوضوء (٢٢٠) باب صبّ الماء على البول في المسجد (٥٨)]، وأخرجه في [الأدب (٦١٢٨) باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يسّروا ولا تعسّروا" (٨٠)].
(٣) كذا بالأصل، ولا شكّ أنّ في الجملة خللاً واضحًا.
(٤) في الأصل: "إذا"، وهو خطأ.
(٥) في الأصل: "ولا فَرقَ عندنا بين حُلول النجاسة على الماء وبين حُلولِها عليه"، والصواب ما أثبتّه؛ لأنّ ما في الأصل تكرار، والله أعلم.

<<  <   >  >>