للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال: إنّ ابن عبّاس يقول: "فُرِضت الصلاة في الحضَر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" (١)، وفي هذا دليل على أنّ صلاة السفر هكذا فُرِضَت ركعتين، وهو فرضها؟

قيل له: حديث ابن عبّاس هكذا يعارض حديث عائشة؛ لأنَّه يقول: إنّها فُرِضت في الحضر أربعًا، وعائشة تقول: فرضت في السفر والحضر ركعتين، ثمّ زِيد في صلاة الحضر.

وقد يكون معنى قول ابن عبّاس: "فُرِضت" يعني: قُدِّرت، والمقرُّ حكمُها، كما يقال: فَرَض القاضي نفقة اليتيم والزوجة كذا وكذا، بمعنى قَدَّرها وحكم بها، لا أنّه أوجبها، ومن أصحابنا وغيرهم مَن جعل قصر الصلاة في السفر فرضًا، والذي اختاره أبو الفرج أنّها سنّة لرواية أبي المصعب ذلك عن مالك فلا معنى للاشتغال بجعلها في حَيِّز الفروض، واحتجّ بالإجماع على جواز إتمامها خلف المقيم؛ قال: ولو كان القصر مفروضًا لمَا جاز للمسافر أن يُتِمَّ في حال سفره خَلْف مقيم ولا غيره، كما أنّ الإتمام لها لو كان على (المسافر) (٢) مفروضًا لم يَجُز له الاقتصار على صلاة المسافر، وهذا المعنى قد ذكرناه فيما سلف من هذا الباب.

واحتجّ أبو الفرج - أيضًا - بحديث أنس: "سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمنَّا المفْطِرُ وَمنَّا المقَصِّرُ، فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدٌ مِنَّا عَلَى صَاحِبِهِ" (٣).


(١) أخرجه مسلم في "الصحيح" [كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٦٨٧) باب صلاة المسافرين وقصرها].
(٢) في الأصل: "الحاضر"، وهو خطأ واضح.
(٣) مضى تخريجه (ص ١٤٣).

<<  <   >  >>