للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُسْرِي بروحه" (١).

وقد قال بعضهم عنها: "ما فَقَدتُّ جسدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة"، وهذا من الكذب الواضح؛ لأنّ عائشة لم تكن وقت الإسراء معه، وإنّما ضمّها بعد ذلك بسنين كثيرة بالمدينة، ولو كانت رؤيا ما كان في ذلك شيء يقدح في الديانة ولا في الشريعة لأنّ رؤيا الأنبياء - عليهم السلام - وحي صحيح بدليل الكتاب والسنّة؛ قال الله - عز وجل - حكاية عن إبراهيم - عليهم السلام - في ابنه لمّا بلغ معه السعي؛ {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢]، ، وكان الوحي يأتيه نائمًا ويقظانًا، وكذلك كان يأتي الأنبياء قبله أيقاظًا ونيامًا.


(١) وهذا الحديث أخرجه ابن إسحاق في "مغازيه" (٥/ ٢٦٥) قال: "حدّثني بعض آل أبي بكر عن عائشة ... " وذكره، وفيه إبهام من روى عنه ابن إسحاق، فالحديث على هذا منقطع، وأورده ابن كثير في "السيرة النبوية" (٢/ ١٠٥) من طريق ابن إسحاق، ثمّ ساق من طريق ابن إسحاق قال: حدّثني يعقوب بن عتبة: أنّ معاوية كان إذا سئل عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت من الله رؤيا صادقة"، وذكر تردّد ابن إسحاق، وجوّز كلا الأمرين أعني: وقوع ذلك في المنام أو في اليقظة.
قال ابن كثير: "ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنّه كان يقظان لا محالة ... وليس مقتضى كلام عائشة - رضي الله عنها - أن جسده - صلى الله عليه وسلم - ما فُقِد، وإنّما كان الإسراء بروحه - أن يكون منامًا كما فهمه ابن إسحاق، بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم".
قلت: وتمسّك القائلون بأنّ الإسراء وقع منامًا برواية شريك لحديث الإسراء في "صحيح البخاري" [كتاب التوحيد، باب وكلّم الله موسى تكليمًا، رقم (٧٥١٧)] من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر أبي عبد الله، الذي قال عنه الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطئ، وقد اضطرب في حديث الإسراء، وساء حفظه ولم يضبطه"، وجاء فيه: "ثمّ استيقظت"، وهذا من جُملة أخطاء شريك في هذا الحديث الذي بسببه نزلت رتبته، وجملة أخطائه فيه - كما ذكر ابن حجر في "الفتح" (١٢/ ٤٩٣ - ٤٩٤) -: عَشرٌ، فلتُراجَع هناك.

<<  <   >  >>