للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِمّا يدلّك - أيضًا - على ذلك قول أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه - في هذا الخبر لقريش حين قالوا له: إنّ صاحبك يزعم أنّه أتى بيت المقدس، فقال: إنّكم تكذبون عليه، وممكن عنده الرؤيا أكثر من ذلك من بلوغ خراسان وأقصى الأرض والصعود إلى الهواء ورؤية الله تبارك وتعالى وغير ذلك مِمّا يراه الكفّار في الرؤيا (١).

وأبو بكر - رضي الله عنه - كان من أبصر الناس بالرؤيا وأحسنهم لها تعبيرًا، فهذا كلّه يدلّك على أنّها لم تكن رؤيا، وإنّما أُسرِي به كما ذكرنا.

وأمّا قوله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: ٦٠] فمختلف في تأويلها اختلافًا كثيرًا يطول ذكره؛ وإنكار عائشة - رضي الله عنها - الإسراء بجسده لا يصحّ عنها، ولا يثبت قولها: "ما (فُقِدَ) (٢) جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن


(١) السياق يدلّ على أنّ الكفّار يمكن أن يروا الله - تبارك وتعالى - في المنام، وهذا لم أجده عن أحد من أهل العلم، لكن وجدتُّ ما يدلّ على أنّ المؤمنين يرون ربّهم، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه رأى ربّه في المنام، في حديث: "رأيت ربّي الليلة في أحسن صورة ... "، وأمّا رؤية الله تعالى في المنام لغيره - صلى الله عليه وسلم - فقد نقل صاحب "سراج الطالبين شرح منهاج العابدين" اتّفاق الصحابة والتابعين من بعدهم على جوازها ووقوعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وقد يرى المؤمن ربّه في المنام في صور متنوّعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا، لم يره إلاّ في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص، رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولا تعبير ولا تأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق". انظر في هذه المسألة: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (٣/ ٣٩٠)، و"كتاب الفقه الأكبر" لأبي حنيفة بشرح ملا على القاري (ص ١١٣)، و"سراج الطالبين على منهاج العابدين" شرح إحسان محمّد دحلان (١/ ١٣٣).
(٢) في الأصل: "فقدت"، وهو خطأ واضح؛ لأنّه ذكر بعدُ هذه اللفظة: "أعني: فقدت"، وقال: "هذا من الكذب الواضح".

<<  <   >  >>