للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك هؤلاء لا يستجيبون، وأنّهم كَهُمْ في عدم الاستجابة ولا عليك أن يجيبوا إنّما عليك أن تُسمِعَهم وتُبلِّغَهم، إنّما أنت نذير، فهذا معنى قوله والله أعلم: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} (١).

ومعلوم أنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للكفّار، وقد علمنا أنّه يسمع الكفّار بدعائه إيّاهم إلى الإيمان ولم يعدم منهم السمع، ولو عدموا السمع لارتفع عنهم


(١) قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}: "اعلم أن التحقيق الذي دلّت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن أنّ معنى قوله هنا: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا يصحّ فيه من أقوال العلماء إلّا تفسيرين:
الأول: أن المعنى: إنّك لا تسمع الموتى، أي: لا تسمع الكفّار الذين أمات قلوبهم، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماعَ هدى وانتفاع؛ لأن الله كتب عليهم الشقاء، فختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على قلوبهم الأكنة، وفي آذانهم الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع، ومن القرائن القرآنية الداتة على ما ذكرنا أنه - جلّ وعلا - قال بعده: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}.
الثاني: هو أن المراد بـ "الموتى" الموتى بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفيّ في قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}
خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وإنّ هذا مثل ضُرِب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتّباع، كما قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل، لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع، كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأمّا سماع آخر فلا، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه أبو العبّاس ابن تيمية رحمه الله ... ".
انظر: "أضواء البيان" (٦/ ٤١٦ - ٤٢٠).

<<  <   >  >>