للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يمكن أن يكون أثر أهل القليب خصوصًا بهم، خُصُّوا بِرَدِّ أفهامِهم إليهم ففهموا عنه عليه السلام، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ"، وهو عليه السلام لا يقول إلّا حقًّا، وليكن هذا لمن يكون على مذهب من يقول: إنّ الأرواح على أفنية القبور ولم يكن لهم قبر إلّا القليب، فكانت أرواحهم تسمع ذلك، وإن لم تردّ إلى أجسادهم، ألا ترى إلى سَلامِه - صلى الله عليه وسلم - على أهل المقبرة؛ وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّلاَمُ عَلَيكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمنينَ" (١).

ويمكن أن يكون معناه ما لا نُدركُه نحن، ولم نُؤْتَ مِن نوع هذا العلم إلّا قليلًا على إبانة من الله عز وجل، فإنّ ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تضرب (٢) له الأمثال، ولا يدخل عليه المقاييس، فلا يُؤمِن عبدٌ يَجِد حرجًا في نفسه من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو العالم بمراد الله عز وجل، وبه عَلِمْنا ما عَلِمْنا، وإنّما بُعِث إلى أُمّتِه وهي لا تعلم شيئًا؛ جزاه الله عنها بأفضل ما جزى نَبِيًّا عن أمّته.

وقد أنكر أهل العلم المناظرة في مثل هذا ممّا قد صحّ به الأثر، واشتهر به الخبر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: لا شيء في هذا إلّا التسليم؛ وأباحوا كلّهم المناظرة فيما تحته عمل من الأحكام التي شرع فيها القياس والتمثيل.

وأمّا قول الله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، فليمس فيه - والله أعلم - ما يدفع شيئًا مِمّا ذكرنا، ويجوز أن يكون معناه؛ وما أنت بِمُستجيبٍ لك مَن في القبور،


(١) أخرجه مسلم في [الطهارة (٢٤٩) باب استحباب إطالة الغرّة والتحجيل]، وفي [الجنائز (٩٧٤) باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، من حديث أبي هريرة، وأخرجه غيره.
(٢) في الأصل: "أن لا تضرب"، والظاهر أن "أن" مقحمة لا معنى لها.

<<  <   >  >>