للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ربّه بما أراه في منامه.

وفي الحديث المأثور في الذبيح: أنّ إبليس لمّا اعترض إبراهيمَ في مسيره بابنه إلى الذبح قال له إبراهيم: "إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِذَلِكَ" (١)، فهذا كلّه يعضد قولَ ابنِ عبّاس: "رؤيا الأنبياء وحي".

ولا أعلم لابن عبّاس في ذلك من الصحابة مخالفًا.

وأمّا ما نزع به المخالف من حديث عائشة: "إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ"، فالجواب عن ذلك؛ أنّ تلك الرؤيا كانت بمكّة قبل المبعث (٢)، ومن قول يوسف عليه السلام:


(١) لم أجده بهذا السياق عند غير المصنِّف هنا، وعزاه ابن كثير (٤/ ١٥) إلى عبد الرزّاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال: "اجتمع أبو هريرة وكعب الأحبار. . . ولحق إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقال: أين غدوت بابنك؟ قال: لحاجة، قال: فإنّك لم تَغْدُ به لحاجة، وإنّما غدوت به لتذبحه، قال: ولِمَ أَذبَحُه؟ قال: تزعم أنّ ربّك أمرك بذلك، قال: فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلنّ، قال: فتركه، ويئس أن يطاع" الحديث.
(٢) ذكر القاضي عياض في "الإكمال" (٧/ ٤٤٥) أنّ المقصود أنّها رؤيا حقّ وقبل النبوة، وقبل تخليصه من الأضغاث، وإن يكن بعد النبوة فلها ثلاث معان:
* هل هي رؤيا وحي، على ظاهرها وحقيقتها، أو هي رؤيا وحي لها تعبير؟
* التردّد: هل هي زوجته في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة فقط؟
* أنه لفظ شكّ لا يراد به ظاهره، وهو أبلغ في التحقيق، ويسمى في البلاغة: "مزج الشك باليقين". وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١٢/ ٤١٨) تحت الحديث رقم (٧٠١٢) عن ابن بطال وغيره، حيث جوزوا أن تكون هذه الرؤيا قبل المبعث، لكن دفعه بما ذكره من رواية حماد بن سلمة في هذا الحديث، ولفظه: "أوتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة، فكشفتها فإذا هي أنتِ"، قال الحافظ: "وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره ابن بطال ومن تبعه، حيث جوّزوا أنّ هذه الرؤيا قبل أن يوحى إليه".

<<  <   >  >>