للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُحرِّم، ويغني ويفقر، ويحيي ويميت، ابتلاءً واختبارًا، لا بداء (١) كما قالت اليهود لعنها الله، ولكن لمصالح العباد واختبارهم، ليبلوهم أيّهم أحسن عملًا، وأيّهم ألزم لمِا أُمر به ونُهي عنه، لتقع المجازاة على الأعمال، وقد أذن الله الذي حرّم مكّة - تبارك اسمه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أذن فيه من القتال، ثمّ أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّها عادت إلى حالها، وبه عرفنا تحريمها أوّلًا وآخرًا، ولا علم في مثل هذا إلّا ما قرع السمع؛ لأنّه لا مدخل للعقل في الشرع، ولم تختلف فرق الإسلام على اختلافها في كثير من الدين والأحكام أنّ النسخ في مثل هذا جاء به من الأمر والنهي، وأنّ البَداء لا يضيفه إلى الله وإلى رسوله إلّا كافر، وأغني عن القول في ذلك، وقد روي عن ابن عباس وغيره - رضي الله عنهم - (٢) عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) في "القاموس": "بدا بَدْوًا وبُدُوًّا وبداءة: ظَهَر ... وبَدا له في الأمر بَدْوا وبَداء وبداة: نشأ له فيه رأي"، فالبداء في اللغة - كما جاء في القاموس - له معنيان:
١/ الظهور والانكشاف، ٢/ نشوء رأي جديد.
والبَداء بهذين المعنيين لا تجوز نسبته إلى الله عز وجل، وهو في الأصل عقيدة يهودية ضالّة، وقد وَرَدت في التوراة - التي حَرَّفَها اليهود وِفق ما شاءت أهواؤُهم - نصوصٌ صريحة تتضمّن نسبة معنى البداء إلى الله سبحانه، وذلك في كتابهم المقدّس الفصل السادس من سفر التكوين.
وانتقل الاعتقاد في البداء أوّلًا إلى فِرَق السَّبَئية المُدَّعية للتشيُّع، ففِرق السبئية كلّهم يقولون بالبداء: أنّ الله تبدو له البداوات)، انظر: "التنبيه والردّ" للملطي (ص ١٩).
ثمّ أخذ بفكرة البداء المختار بن أبي عبيد الثقفي؛ لأنّه كان يَدَّعي علمَ الغيب، فكان إذا حدث خلاف ما أَخبَر به، قال: "قد بَدا لربِّكم"! وانظر في أخباره "الملل والنحل" (١/ ١٤٧).
(٢) حديث ابن عبّاس: أخرجه البخاري في [الحجّ (١٥٨٧) باب فضل الحرم]، وأخرجه في [الجزية (٣١٨٩) باب إثم الغادر للبرّ والفاجر]، وأخرجه في [الجهاد (٢٧٨٣) باب فضل الجهاد والسير] , =

<<  <   >  >>