للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ"، وقد ثبت بالآثار الصحاح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ اللهَ حَرَّمَهَا وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَإِنَّهَا بَلَدٌ حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضَ" (١)، وهذا مشهور صحيح عند أهل الأثر وجماعة أهل السِّير، فلا وجه لمِا خالفه من الرواية على أنّها ليست بالقوية، ولو صحّت لكان معناها ما ذكرنا، والله أعلم.

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ"، تعظيمٌ منه لحُرمتها، وفيه - والله أعلم - دليل على أنّ ما حَرّم الله في كتابه نصًّا متلوًّا أو خبرًا عن الله صحيحًا كان أقوى من تحريم الأنبياء عليهم السلام المأمور بطاعتهم والاقتداء بهم، وهذا موضع اختَلَف فيه العلماء قديمًا وحديثًا، فقوم ذهبوا إلى هذا، وهو مذهب أصحابنا المالكيين، وقوم ذهبوا إلى أنّ ما حرّم الرسول وحرّم الله سواء، ولكلّ واحد من الفريقين حُجَج يطول ذكرها (٢)،


= وأخرجه مسلم في الحجّ (١٣٧٣) باب فضل المدينة ودعاء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لها بالبركة.
والحديث له طرق من حديث عليّ وأبي قتادة.
(١) مضي تخريجه (ص ٩٦).
(٢) قال الزركشي في مباحث الأمر من "تشنيف المسامع بجمع الجوامع" (٢/ ٥٩٧):
"اختلف العلماء في صيغة "افعل" على أقوال، ...
القول التاسع: التفصيل بين أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأمر الله حقيقة في الوجوب، وأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المبتدأ للندب، وحكاه القاضي عبد الوهّاب في "الملخّص" عن شيخه أبي بكر الأبهري، واحترز بـ "المبتدأ" عمّا كان موافقًا لنصّ، أو مبيِّنًا لمجمل، فيكون للوجوب أيضًا، وذكر المازري أنّ النقل اختلف عن الأبهري، فروي عنه هذا، وروي عنه أنّه للندب مطلقًا".
وانظر المسألة في "إحكام الفصول في أحكام الأصول" للباجي (ص ١٩٨)، وشرح التلقين (١/ ١٢٥، ١٢٦)، "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" للشريف التلمساني (ص ٣٧٧ - ٣٧٨)، و"الإبهاج" للسبكي (٢/ ٢٦)، و"نهاية السول" للإسنوي (٢/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>