للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أجمعوا أنّ صيد المدينة لا جزاء له ولا فدية، وهو تحريم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ صيد مكّة يجزي؛ لأنّه مِن نصّ كتاب الله عز وجل، وهذا مِمّا يُحتجّ به لأصحابنا، وبالله توفيقنا.

وفيه - أيضًا - دليل على أنّ الأنبياء لهم أن يحرّموا بما أراهم الله وأذن لهم فيه، والله أعلم.

وأمّا قولك: ما معنى قوله عليه السلام: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ"، وهو عليه السلام قد أمر بقتل ابن خطل، وقتل الفواسق، فمعناه عندي والله أعلم: أنّ ابن خطل لمّا وجب سفك دمه لِمَا كان قد ارتكبه من الارتداد وقَتْل مَن قَتَل مِن المسلمين لم تنفعه مكّة وحرمتها في ما قد لزمه، وهو قول أكثر الفقهاء، وسنذكر اختلافهم في ذلك عند تمام القول في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

ويُحتمل أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بقتل ابن خطل وغيره إلّا في الوقت الذي أُحلّ له فيها القتال، وقال أهل العلم بالسير: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان يعهد إلى أمرائه مِن المسلمين حين أَمَرهم أن يدخلوا مكّة ألّا يقاتلوا إلّا مَن قاتلهم، إلّا أنّه قد عهد في نَفَر سَمّاهم أن يقتلهم، وإن وُجدوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد ابن أبي سرح العامري، كان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمّ ارتدّ ولحِق بمكّة في قصّة طويلة (١)، وعبد الله بن خطل رجلٌ من بني تيم بن غالب، كان مسلمًا فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدِّقًا، وبعث معه رجلًا من الأنصار، فقتل الأنصاريَّ وارتدّ ولَحِق بمكّة (٢)،


(١) قصّة ابن أبي سرح ذكرها ابن هشام (٢/ ٤٠٩)، والبيهقي في "الدلائل" (٥/ ٤٥).
(٢) انظر في شأنه: "السيرة النبوية" لابن هشام (٤/ ٩٢، ٩٤)، و"المغازي" للواقدي (٢/ ٨٥٩، ٨٦٠)، و"عيون الأثر" (٢/ ١٧٦)، و"السيرة" لابن كثير (٣/ ٥٦٤)، و"شفاء الغرام" (٢/ ٢٢٦، ٢٢٧)، =

<<  <   >  >>