للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظاهر قوله: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ" يدلُّ على أنّ الساعة التي أُحلّ فيها القتال لم تكن أكثر من يومٍ، وليس في قَتلِ ابنِ خَطَل وغيرِه ما يُشكل، ولا ما يحتاج إلى القول لمن فهم؛ لأنّ الوقت الذي أُحلّت له كان ذلك منه فيه، والله أعلم، هذا مُمكن لا يُدفع إمكانُه، أو يكون ابنُ خطل إنّما أُمِر بقَتلِه لمِا استَوجَبَه من القتل، فلا يكون ذلك داخلًا في استحلال مكّة والحرَم؛ لأنّ الحَرَم لا يُعِيذ مَن وجب عليه القتل عند أكثر أهل العلم (١)، وأيُّ الوجهين كان فليس في قتل ابن خطل وأصحابه ما يدفع قوله: "قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا كَما كَانَتْ"، فتَدَبَّر هذا تَجِده كذلك إن شاء الله تعالى.


= قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (٤/ ٣٠٦) وقد ساق هذا الحديث مختصرًا: "وهذا غريب جدًّا، وقد روي أهل السنن بعض هذا الحديث، فأمّا ما فيه من أنه رخّص لخزاعة أن تأخذ بثأرها من بني بكر إلى العصر من يوم الفتح فلم أره إلّا في هذا الحديث، وكأنّه - إن صحّ - من باب الاختصاص لهم ممّا كانوا أصابوا منهم ليلة الوتير، والله أعلم".
قال محقّق "المسند" (١١/ ٢٦٦) معلّقًا على كلام ابن كثير: "قلنا: قد ورد ذلك - يعني: الترخيص لخزاعة أن تثأر لقتلاها من بني بكر - من حديث ابن عمر عند ابن حبّان - بإسناد حسن".
قلت: لم يرد في غير "المسند" أنّ ذلك استمرّ إلى العصر، لا في ابن حبّان ولا غيره، والله أعلم.
وقد حسّن رواية أحمد المذكورة محقّق المسند الشيخ شعيب الأرنؤوط.
(١) لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من دخل الحرم مقاتلًا وبدأ القتال فيه أنّه يقاتل، لقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، وكذلك من ارتكب في الحرم جريمة من جرائم الحدود أو القصاص ممّا يوجب القتل فإنّه يقتل اتّفاقا لاستخفافه بالحرم.
انظر: "تفسير الطبري" عند تفسير هذه الآية، و"أحكام القرآن" للجصّاص (٢/ ٢١)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٢٨٥)، و"زاد المسير" (١/ ٤٢٧)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، وانظر: "تفسير السيوطي" (٢/ ٢٧٠، ٢٧١)، و "نيل الأوطار" =

<<  <   >  >>